ترجمة: آلاء فائق/
هل فكر احدنا في أن يكون جميلا لدرجة تمكنه من شد أنظار الأخرين نحوه، قد تشكل هذه الفكرة احيانا مشكلة تدعو العديد من الناس، لاسيما الشباب للتفكير والتأمل، فالرغبة بتحقيق حلم كهذا ليس سهلا للغاية وقد لا يتحقق ما قد يحلو لنا أن نحلم به على أرض الواقع.
ومع أن نعم ونقم الجمال قد استقطبت منذ أمد طويل اهتمام الباحثين في علم النفس، فهل ان الذين حباهم الله بجمال أخاذ ومظهر لافت للنظر يظفرون دائما بإعجاب وتقدير من حولهم من الناس، أم ان جمالهم مجرد فقاعة سطحية ولا تحمل بين جنباتها أية قيمة تذكر؟
من خلال المسح الدقيق لنتائج الدراسات التي جرت بهذا المجال طوال العقود السابقة، استعرضت الباحثتان بمجال علم النفس الاجتماعي ليزا سلاتري ووكر وتونيا فريفرت من جامعة شارلوت بولاية كارولينا شمالي الولايات المتحدة كل الأدلة المطروحة حتى الآن، وقد لا تتوقع ماهي استنتاجاتهم.
تأثير فقاعة الجمال
على نحو سطحي، ربما نعتقد ان للجمال هالةً ما تحيط به، وان اصحابه يتمتعون بالعديد من النعم والمزايا وقد يفترض عقلنا الباطن أن هذا الشخص قد نال من المزايا الشخصية الكثير، ما اثر إيجابا على جوانب أخرى من شخصيته وحياته.احيانا، يؤمن حتى علماء النفس بمفهوم مفاده أن كل ما هو جميل فهو جيد بالضرورة، ولكن عشاق مسلسل “30 روك”، وهو من المسلسلات الأمريكية الهزلية المعروفة بـ”sitcom ” والذي بثته قناة NBC الأمريكية قد يعتبرون أن هذا المفهوم ليس سوى “فقاعة” لا اكثر. فشخصية الممثل الأمريكي جون هام، التي تظهر بالمسلسل، يعيبها انعدام الكفاءة على نحو ملحوظ ولكنها نجحت ببراعة بخداع المشاهد بفضل وسامة صاحبها. وبحسب ما هو متوافر من أدلة وبراهين، فإن مفهوم الوقوع في شرك فقاعة الجمال والذي يتبناه البعض هو حقيقة. ففي ميدان التعليم مثلا، وجدت ووكر وفريفِرت الكثير من الأبحاث التي تُظهر أن المعلمين والأساتذة بالمدارس والجامعات يفتنون بأصحاب المظهر الجذاب من الطلبة ويعتبروهم أكثر كفاءة وذكاء من غيرهم من الطلبة، ما ينعكس ايجابا على درجاتهم الأمتحانية. وفي أماكن العمل، فقد يشكل وجه المرء وملامحه الوسيمة ثروته الحقيقية.
الوسيم أعلى أجورا
فمن المرجح أن يحصل الأشخاص الأكثر جاذبية على رواتب أعلى، ويصلوا لأرقى المناصب في السلم الوظيفي، مقارنة بغيرهم ممن تنقصهم الوسامة والجاذبية. واوضحت دراسة أجريت على الحاصلين على درجة الماجستير بإدارة الأعمال أن ثمة فارقا يتراوح ما بين 10-15 بالمئة بالأجور التي يتقاضاها الوسيمون من بين هؤلاء الخريجين، وتلك التي يتقاضاها أقرانهم الأقل وسامة أو ممن يعدون أقل جاذبية على الإطلاق. تقول ووكر إن من يتمتع بمظهر جميل أو وسيم “يظل يتمتع بمنافع ومزايا طوال حياته، بدءاً من فترة دراسته وحتى وصوله لمكان عمله”. لا بل حتى في أروقة المحاكم، يمكن أن يكون للمظهر الجذاب فعله الساحر. فمن المرجح أن ينال المتهمون من ذوي المظهر الجذاب أحكاما مخففة عن سواهم، أو قد يفلتون من الإدانة تماماً.
سلبيات الجمال
ومع كل الحسنات التي يمكن ان يتمتع بها اصحاب الجمال في أغلب الأحوال، لا تزال هناك مواقف يمكن أن تؤتي فيها هذه الصفة بنتائج عكسية غير متوقعة. فرغم أن الرجال الوسيمين يمكن أن يُنظر إليهم باعتبارهم ذات مقدرة أكبر على الاضطلاع بالأدوار القيادية، فإن الأحكام المسبقة ضد المرأة يمكن أن تؤثر سلبا على النظرة للنساء الجميلات، ما يقلل من فرص تعيينهن في وظائف إدارية عليا تتطلب ممن يشغلها القدرة على إظهار سلطته.
تنصح ووكر وفريفِرت انك إذا أردت نموذجا على ما تبنته هوليوود بهذا المضمار، ما عليك سوى تأمل الشخصية التي لعبتها الممثلة رِيز ويذرسبون في فيلم “ليغالي بلوند”. علاوة على ذلك، وبقدر ما يكون بوسعك أن تتوقع؛ يواجه الأشخاص الذين يتمتعون بالمظهر الجذاب، سواء كانوا رجالا أم نساءً من مشاعر غيرة من حولهم، سواء في مجال العمل أم في الحياة العامة. فقد أفادت دراسة حديثة بتدني فرص الوسيمين، ممن يرغبون بالحصول على وظيفة ما، اذا ما خضعوا لمقابلة شخصية يجريها لهم أشخاص من نفس جنسهم، فربما يصبح من يجرون المقابلة لهم أقل ميلا لتوظيفيهم إذا ما اعتبروهم أكثر جاذبية منهم. وقد لا يخطر في بالك، أن جمال المرء قد يضر حتى بفرصه بالحصول على رعاية طبية ملائمة، حيث يميل معظمنا فطريا للربط بين حسن المظهر والتمتع بصحة جيدة، عندها سيكون تعامل الأطباء مع الوسيم المريض بقدر أقل من الجدية.
الجمال والوحدة
هل تخيلت يوما أن “فقاعة” الجمال التي تحيط بالمرأة الحسناء قد تكبلها بالوحدة؟ مثال ذلك، دراسة أجريت العام 1975، كشفت أن الناس يميلون للابتعاد عادة عن المرأة الجميلة إذا ما لاقوها في طريقهم، وذلك في إشارة ربما على احترامهم لها، أو لعدم قدرتهم على الأقتراب منها. مثل سلوك كهذا نحوها، قد يصيب التفاعل الإنساني بين هذه السيدة وبين من حولها بالفتور، فتصبح حياتها رتيبة بدلا من ان تكون مبهرة .
الجمال وعدم الارتباط
ومن اللافت للنظر بهذا الشأن، ما ذكره موقع (أو.كيه كيوبيد) للمواعدة والزواج على شبكة الإنترنت، الذي بين أن الأشخاص الذين يُرفقون بملفهم الشخصي الصور الأكثر جمالا والخالية من العيوب كانوا أقل فرصا للعثور على من يرغب بالارتباط بهم، مقارنة بأصحاب الصور من اصحاب الجمال البسيط. وقد يعود ذلك إلى أن الراغبين بالارتباط قد يشعرون بخوف أقل حينما يكونون بصدد مواعدة أشخاص من ذوي الجمال البسيط. لهذا السبب، وكما يمكن أن تكون قد توقعت، فإن كون المرء جميلا لا يعني أن بحوزته جواز سفر يوصله للسعادة الحتمية، رغم أن اتصاف الإنسان بهذه الصفة يساعده على أن يكون سعيدا بالطبع. وكانت ووكر وفريفِرت حريصتين على تأكيد أن التأثيرات التي يخلفها الجمال سطحية تماما كمفاهيمنا عنه، وتشيران إلى أن هذه التأثيرات ليس لها بالغ الأثر علينا، كما قد يتصور البعض أخيرا، تشير فريفِرت إلى أن التركيز المبالغ فيه على المظهر الخارجي، يمكن أن يكون بحد ذاته أمرا ضارا، لا سيما إذا ما أدى لخلق أجواء لا داعي لها من القلق والتوتر، خاصة لدى اصحاب الجمال الباهر. وتضيف: “إذا كان لديك هوس مرضي بمسألة الجاذبية وجمال المظهر، فإن ذلك قد يشوه خبراتك وتفاعلاتك مع الآخرين.” ويمكننا هنا استذكار قول شائع مفاده أن الجمال لا يمكن مهما بلغ أن يعوض عن سوء شخصية صاحبه. أو كما صاغت الكاتبة دوروثي باركر المعنى نفسه ببلاغة رائعة: “الجمال ليس إلا قشرة خارجية رقيقة، أما القبح فهو متغلغل في المرء حتى العظام”.
عن/ موقع البي بي سي