زهراء عبد/
الوقوف بقدمٍ واحدة عند سلة المهملات طوال مدة الدرس الثقيلة، وحشو اذنيه المتورمتين بصيحات زملائه الشامتين وتعليقاتهم المضحكة، كانت هذه دوافع نفسية كافية لهروبه من الصف، عبر عنها ببساطة متناهية وعفوية تلقائية غريبة الطالب في المرحلة الابتدائية الثالثة (ماجد عبد الله) بعد أن رفض الالتحاق بالمدرسة مرة أخرى برغم الحاح أهله وعلاقته التي باتت متشنجة.
يقول الصبي ماجد في اعترافه: معلم الرياضيات دائما مايعاقبني ويضربني بشدة على ظاهر كفي، سيما في الشتاء ويوقفني على (رجل واحدة) قرب سلة المهملات إذا ما تلكأت في الواجب ويضّحك الطلاب عليّ ويطلب مني جلب ولي أمري الذي لا يأتي أبدا، لذلك أنا لا أحب المدرسة ولن أعود لها مجدداً..
صراع متبادل
معلمة التربية الفنية (بلقيس سلمان) تأففت وهي تعترف بشأن سريان وجود العقوبة بشتى أنواعها وألوانها الرادعة داخل الصف كايقاف الطالب قرب سلة المهملات أو ضربه على ظاهر كفه أو رفعه للأعلى من اذنيه، حينما قالت: العقوبة والتوبيخ والاذى الجسدي هي اساليب متبعة كنهج رادع لا يستطيع العديد من المعلمين التخلي عنه، فهو اشبه بالضابط داخل الصف سواء من ناحية حفظ النظام والتوازن السلوكي أم من جانب ارغام الطالب على اتمام واجباته المدرسية على اتم وجه طالما كان اللين والرفق لايجديان نفعاً، ولا أعتقد، تضيف بلقيس، إن قضية هروب الطالب من الدرس أو المدرسة كلياً مرتبط فقط بآلية المعلم داخل الصف، فهو مطالب بالتالي من قبل مدرائه ومشرفيه بنسب نجاح وتفوق وقد لايجد مايحقق ذلك النجاح سوى مرافقته برادع وعقاب يصبان في مصلحة الطالب أولاً وأخيراً.
وتؤكد بلقيس إن ظروف الصف وعدد الطلاب والتجهيزات المطلوبة لانجاح العملية التربوية هي سبب آخر، فكيف يمكن أن يمسك المعلم أعصابه المتوترة من أعداد تلاميذه التي تفوق مايمكن أن يحتمل لصف واحد الى جانب غياب المتابعة التربوية من قبل الأهل طوال السنة واذا ماتنبهوا لخسارة ذلك التلميذ فستكون بعد فوات الأوان، أي بعد ان ينتهي النصف الثاني فتجدين أفواجا من الأهالي وطوابير من الآباء والامهات ينتظرون على أعتاب المدرسة عسى أن يرق قلب المعلم على أبنائهم التلاميذ وينجحوا اثر توسلاتهم التي تتحول بعد أن تقطع العائلة الأمل باقناع المعلم الى تشنجات وصراع متبادل مابين الأهل والتربويين..
معالجة وتشخيص
أما الاستاذة سليمة عبد ناصر – مشرفة التربية الخاصة، فترى إن دور جهاز الاشراف التربوي له صلة بتقويم العلاقة التربوية مابين الطالب والمعلم عبرت عنه بالرأي: نحن كمشرفين على سير العملية التربوية نؤكد دائماً ضرورة تجنب استخدام الأساليب القاسية ضد الطلبة من قبل الادارة والمعلمين و الأهل أيضا لان هذا النمط من التعامل يخلق لدى الطالب شخصية عدوانية أو أخرى ضعيفة أو كليهما معاً، فضلاً عن شعوره الدائم بالاضطهاد أو الانتقاص من قبل أهله أو معلميه، الأمر الذي قد يؤدي الى نفوره من المدرسة وعدم رغبته في اكمال دراسته.
إهمال وقلق
إنها ظاهرة سلبية لها أبعاد تربوية ملموسة على بناء شخصية الطالب، على حد رأي مدير مدرسة النشء الجديد (علي شمخي) الذي قال لنا: ظاهرة العنف المتبادل بين المعلم والطالب لها جذور تربوية واجتماعية تتصل بالوسط الذي قدم منه الطالب وأعني هنا الأسرة وبمستوى وعي المعلم لدوره التربوي وهي في العموم ظاهرة سيئة لها نتائجها السلبية على المجتمع، لانها واحدة من أسباب ترك الطالب لمدرسته ودراسته، هذه الظاهرة كانت أكثر استشراءً في عهد النظام السابق لان علاقة المعلم بالسلطة أصلاً علاقة متشنجة مبنية على اهماله واهمال دوره البناء في المجتمع، ولقد دلت التجارب التربوية الناجحة أن التعامل المرن مع التلميذ، سيما في المراحل الأولى من الدراسة اعطى نتائج ايجابية وملموسة في بنائه ككائن اجتماعي، بل وتجاوز ظروفه العائلية المضطربة.
ظروف مقنعة
أما الباحث الاجتماعي (ستار الشمري) فقد انبرى بالقول عن تلك الظاهرة: العنف المدرسي موضوع متداخل ومتشابك ويخضع لظروف محكومة بالعوامل الاجتماعية المؤثرة في العملية التربوية كالعيش في احياء مكتظة بالسكان ومهملة لسنوات طويلة، ففي ظل مستوى اقتصادي متدن للأسرة في وسط تتفشى فيه الأمية، فضلاً عما أفرزته الحروب والحصارات المؤلمة التي تسبب بها النظام السابق ثم الارهاب، كل هذه العوامل وغيرها أدت الى حصول اضطرابات في شخصية الفرد تنعكس أول ما تنعكس على علاقاته مع الوسط الذي يكون فيه لأطول مدة ممكنة سواء كان العمل أم المدرسة، وما يهمنا هنا هو التأكيد أن سلبية العلاقة بين المعلم والطالب لا تظهر بصورة واضحة وملفتة الا في المناطق المكتظة الفقيرة بسبب نقص أعداد المدارس وكثافة اعداد الطلبة وعدم التأهيل الكامل للهيئات التدريسية، فيتحول المعلم الى مراقب يحمل في احدى يديه الطباشير وفي الأخرى عصا يخيف بها تلاميذه، لذلك نقول بأنه يجب على القائمين على النظام التربوي والادارات المدرسية أن يولوا اهتماما وعناية خاصة بالنظام التعليمي من خلال تفعيل الاسلوب التربوي لتصحيح الطرائق التدريسية الناجحة والنافعة والحديثة الى جانب مد جسر التواصل والمحبة والتبادل مابين الأهل والتربويين والادارة المدرسية بما يخدم مصلحة الطالب ويصب بخانة اغنائه بأكبر قدر من العلوم والمعارف التربوية والأخلاقية.