عواطف مدلول/
تحلم بإرتدائه كل النساء مهما أختلفت أعمارهن وثقافتهن، ينمو كرغبة تكبر منذ الطفولة وحتى بلوغ سن الزواج ولربما مدى الحياة، وإذا ما فات بعضهن قطار الارتباط بالشريك المناسب، ولايمكن أن تقف الظروف حائلا أمام تحقيق تلك الرغبة مهما كانت صعبة ومعارضة لأحلامهن تلك. أنه فستان الزفاف وللقصص حكايات وحكايات.
من النادر أن نرى امرأة تتخلى عن الظهور بفستان الزفاف في ليلة العمر فهو طقس تقليدي، بل هو أهم مراسيم الزواج، فبالرغم من أن شيماء عبد الله تجاوز سنها العقد الخامس لكنها حرصت على انتقاء فستان عرسها من أغلى المحال، وكأنها بسلوكها هذا تعلن عن شعورها الباطني بأن مافعلته جاء تعويضا عن فرص الزواج التي فاتتها خلال عمرها السابق، وتتويجا لقصة حب استمرت ثلاث سنوات واجهت فيها معارضات شديدة عاشت خلالها معاناة وألما وفي الختام أثمرت فرحا، تقول شيماء: لست متمكنة ماديا لكن لدي وظيفة جيدة تسمح لي بالانفاق في سبيل تحقيق ما بنفسي، لذا ليس غريبا أن أمنح اهتماما كبيرا لتفاصيل الفستان الذي يعبر عن شخصيتي ويليق باحتفالي بتلك المناسبة، لقد كنت متميزة فيه ومازالت نساء الجيران والصديقات يتحدثن عن أناقته وكم كان لائقا عليّ.
موضوع شكلي
في حين تجد سرى محمود (طالبة جامعية) بأن فستان الزفاف بات موضوعا شكليا لا أكثر، وتتساءل كم واحدة تعبت وأرهقت نفسها ومن حولها ودخلت بدوامة الحيرة، وهي تبحث عن الأجمل والأفضل لكنها لم تفلح في حياتها الزوجية، وتضيف: صار الاصرار على ارتدائه والانشغال به عن الأساسيات الأخرى بمشروع الارتباط لامعنى له، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تشكو منها الأغلبية في البلد.
عادات وتقاليد
بينما رسمت سعاد جاسم التي تأخرت كثيرا في إيجاد شريك حياتها، صورة حلمها كوردة لم تعش طويلا فقد ذبلت وماتت جراء اختناقها بغبار الممنوعات من التقاليد والعادات، ما وضعها بموقف محرج أخجلها جدا عندما تقدم لها زميل بنفس المهنة، تشير الى أن جميع أفراد عائلتها رفض أن تظهر بفستان العرس المعروف واشترطوا على العريس ذلك الأمر لأن عمرها لايسمح بذلك حسب إعتقادهم وأفكارهم المعقدة، حتى وأن لم يسبق لهم الزواج وتم الزفاف فعلا بشكل يكاد يكون متواضعا جدا.
للحب فقط
أما مروة صالح فقد نجحت بإقناع زوجها الجديد بإرتداء الفستان الأبيض ولم تهتم بسعره وشكله وأن حصلت عليه بأرخص ثمن، إذ جاء رفض زوجها للموضوع كونه يخشى من كلام الناس ونظرتهم السيئة تجاه تكرار زواج الأرملة ومراعاة لمشاعر زوجته الأولى وأولاده، تؤكد أن خطوتها كانت مجازفة موفقة ولم تندم على الاقدام عليها، فقد جلبت لها الكثير من السعادة والشعور بالتجدد بعد حزن وأعتكاف دام خمس سنوات منذ وفاة زوجها الأول بحادث سير تاركا لها طفلة رضيعة، خاصة أن مروة مازالت في ريعان شبابها ولم تدخل بعد العقد الثالث من عمرها ومن حقها أن تفرح ببداية جديدة كغيرها من بنات جيلها.
ولم تقتنع علياء محمد طوال عمرها بفكرة ارتداء فستان الزواج وتكره التطرق لها، إذ كانت تتمنى الاقتران بإنسان يفهم طلبها هذا، لكنها تزوجت وفرض عليها الظهور بفستان زفاف حالها حال مثيلاتها من العرائس، مجبرة بحكم التقاليد المتعارف عليها بالمجتمع وبعد اخفاقها في تأسيس أسرة ناجحة وانفصالها عن الرجل الخطأ في حياتها، أصبحت تحلم بالفستان الأبيض لكن هذه المرة بطريقة مختلفة تماما، فقد قررت فيما لو طرق قلبها إنسان يلبي طموحها شراء فستان متميز تحدد تطريزاته وتفاصيله بنفسها، وإذا لم تنل ذلك النصيب سيبقى الأبيض أمنيتها حتى نهاية العمر ولن تلبسه إلا بدافع الحب فقط.
خزعبلات مضحكة
ومن المؤسف أن ينتهي مشروع زواج ليلى وسامي اللذين قررا الزواج بعد صداقة جميلة وكل منهما يحمل معه تجربة مرّة في زمن مضى، فقد أختلفا على اقامة حفل خاص وإرتداء فستان الزفاف فحصل الفراق، ليلى بقيت متمسكة بطلبها هذا وبالمقابل لم تلق غير الرفض من خطيبها تقول: كنت مستعدة للتنازل عن كثير من مستلزمات البيت الجديد، مقابل أن أحظى بليلة عمر سعيدة وفستان يضيف لي شعورا معنويا كنت أنتظره بشوق لكن صديقي يبدو أنه لم يفهمني.
وتعود الذكريات بزمن غالي الى الماضي حيث سنوات دراستها بالجامعة حينها كانت والدتها تعمل خياطة بالمنزل وتجهز العرائس من بنات الشريحة الميسورة ماديا، نصحتها إحدى الزبونات بأن تلبس بنتها البكر (زمن) واحدة من تلك (البدلات) قبل أن تعطيها لصاحبتها كي تأتي فرصتها بالزواج سريعا وفعلا تم ذلك بعد شهر، وكثيرا ما صارت زمن تنصح صديقات لها بذلك الأمر كطريقة من بين عدد من الوسائل التي يؤمن بها النساء لتعجيل زواج الفتيات، إلا أن الغالبية منهن تعدها مجرد خزعبلات مضحكة.
حروب وحقوق
وتعرضت المرأة العراقية أثناء فترات الحروب والحصار الى حالة عوز مادي أفقدها كثيرا من حقوقها أولها شراء وامتلاك فستان الزواج للاحتفاظ به، فأضطرت للبحث عن خيارات أخرى بديلة وهي الاكتفاء بتأجير الفستان ليلة واحدة حتى انتشرت المحال المتخصصة بذلك، تحكي نجلاء علي بأنها خلال تلك الفترة استثمرت فستان والدتها الذي كانت تحتفظ به منذ السبعينات وأجريت عليه تغيرات وترميمات بسيطة، حتى الصديقات والأهل أعجبوا به لأنه كان يكشف عن ذوق ورقي فريد ومتميز في حينها.
من جهتها تؤكد الخياطة أم ثامر بأن الزمن تغير وصار الفستان يخضع لموديلات حديثة وبأسعار متفاوتة، لكن المشكلة بالعراق هي عدم توفر جميع القياسات لاسيما في الأحياء الشعبية ومازالت الأغلبية يقدمن على التأجير، إلا أنه في المناطق الراقية هناك من تشتري الفستان أو الأقمشة وتختار موديلا محددا وتعطيه لخياط ماهر ينجزه لها بمدة معينة، وبالنسبة لها عادة ما تقوم بإصلاح فساتين الزفاف اذا احتاجت زبونة الى ذلك، لكنها لم تخيط فستانا كاملا لأن المحال الخاصة بها اضحت منتشرة بعد الانفتاح على العالم بتوسع التجارة والسفر فدخل للبلد كل الأنواع منها حتى مايناسب المحجبات.