دلال جويد/
كثيراً ما نتساءل عن فشل بعض العلاقات العاطفية وانطفائها بسرعة البرق مع أنها كانت متوهجة عامرة بالجنون والشغف والقصائد والأغنيات، أيعقل أن كل هذا كان ادعاءً او كذباً أو غشاً من أحد الشريكين؟
بين الحلم والواقع
ربما لو فكرنا بعيداً عن تعصبنا لأحد طرفي العلاقة لأدركنا أن الأحلام والتوقعات تختلف كثيراً عن الواقع وأننا غالباً ما نرسم صورة للشريك ونرغب أن يكون هو بمقاساتها ناسين او متناسين أن الآخر هو إنسان مستقل ومختلف عن توقعاتنا وربما لا ينسجم معها. لذا فإن أول الانكسارات يبدأ بخيبة التوقع التي تواجهنا بعد تجاوز مرحلة الدهشة الأولى والشغف الأول، إذ أننا نصطدم بكثير من التصرفات التي لا تناسب توقعاتنا وتوقعنا بحالة من الغضب وربما الندم على اختيارنا.
في الحقيقة فإن ما ينبغي أن نتذكره دائماً هو أن الحياة في الواقع لا تشبه القصائد ولا الأغنيات، وكثيراً ما سمعت أحد المقربين يردد ساخراً: الأفلام وقصائد الحب والأغنيات جعلت المرأة بعيدة عن الواقع تنتظر أن تكون بطلة فيلم عاطفي ينتهي دائماً بعناق وسعادة. وعلى الرغم من أني أرد هذه التهمة بأنها مبالغة بحق المرأة، لكنني لا أنكر أن الميديا بشتى أنواعها أثرت تأُثيراً كبيراً في مستوى توقعاتنا ومتطلباتنا من شريك العمر، مع أن الشعراء أنفسهم يعيشون حياة مختلفة عن كتاباتهم وهم في الغالب يشتغلون على المتخيل في الشريك لا على الحقيقي، فالشاعر حالم كبير، وهو كذلك مزاجي ونزق، وبالنتيجة فهو لا يأكل قصائده ولا يتدفأ بها في حياته الواقعية، لذا أعتقد أننا يجب أن نكف عن التفكير بعلاقاتنا كما لو أنها قصيدة او فيلم سينمائي، وربما ينبغي أن نعمل بجد من أجل سعادتنا وأن لا نكتفي بالأحلام.
عشرة أسباب لفشل العلاقة
وهذا الكلام تؤكده الدراسات الحديثة، فالباحث الأمريكي “بريستون ني” يضع عشرة أسباب لفشل العلاقة بين الشريكين، منها اختلاف التوقعات بين الشريكين، فليس من السهل المشي في رحلة الحياة الطويلة معاً حين تختلف توقعات الزوجين في العلاقة فيكون تخطيط الحياة معتمداً على جزئية “ما أريد” وليس “ما نريد” وهذا الأمر يمكن أن ينسحب على الأمور المادية والعاطفة والجنس والمصالح المشتركة او المختلفة بين الطرفين.
ومن المؤكد أن اختلاف التوقعات يرافقه اختلاف الأولويات، فهناك من يجد أن الأسرة والأطفال والبيت هم الأولوية في الحياة، بينما يرى آخرون أن الحياة متعددة الجوانب ولا يمكن أن تقتصر على العلاقة بشخص أو أشخاص محددين، وهذا الأمر لا يقلل من شأن العاطفة أو التعلق بالآخر عند هولاء الأشخاص وإنما يمثل وجهة نظر أو فلسفة حياة تختلف من شخص إلى آخر، وهو الأمر الذي قد يؤدي أحيانا إلى فشل العلاقة لأن عدم الاتفاق على تلك الأولويات يسبب مشاكل مستمرة وغضباً يمكن أن يعبر عنه بوقته أحيانا، ويمكن أن يتفاقم حتى يجتاح كل ما عداه.
واختلاف التوقعات او اختلاف صورة الشريك عن ما فكرنا أو خططنا له يمكن أن يقدم مشكلة أخرى تكون من أخطر أسباب فشل العلاقة بين الشريكين كما يراها الدكتور جون جوتمان من جامعة واشنطن، وهو خبير في العلاقات الزوجية، إذ أنه توصل بعد أكثر من عشرين عاماً من البحث، إلى أن أخطر مؤشر للطلاق هو عندما تظهر عند أحد أو كلا الشريكين تصرفات الازدراء تجاه الآخر، فهو عكس الاحترام، وغالباً ما يتم التعبير عنه عن طريق الحكم السلبي أو النقد أو التهكم فيما يتعلق بقيمة الفرد. فالازدراء يعمل مثل السم – لأنه يدمر صحة ورفاه العلاقة الرومانسية.
خيبة التوقعات بالآخر
وتساهم النرجسية بشكل كبير في تكوين الازدراء، حين تسير جنباً إلى جنب مع خيبة التوقعات بالآخر، حيث يعرف مركز بحوث مايو كلينك النرجسية بأنها نوع من الاضطراب العقلي يصيب بعض الأشخاص فيولد لديهم شعوراً بأهميتهم الخاصة وحاجة عميقة للإعجاب، وكثيراً ما يكون سبب النرجسية عدم وجود الألفة الحقيقية في العلاقة فهي تشمل عقدة التفوق،التكلف بتقديم الصورة الشخصية للمجتمع، والشعور بالاستحقاق أكثر من الشريك إضافة إلى الغرور والأنانية الشديدة والمشاعر السلبية، وهو أمر يؤدي إلى إساءة العلاقة بالشريك وتكرار سوء المعاملة اللفظي والعاطفي والجسدي.
وكل تلك النتائج والأسباب المتشابكة تشير إلى وجهة واحدة وهي: ما الذي نريده من العلاقة وما الذي يريده الشريك؟ فحين تكون الأهداف واحدة ينبغي أن تبذل الجهود لتحقيقها، فالعلاقات لا تفشل إذا ما بذل الطرفان جهداً حقيقياً لإنجاحها بدلاً من البحث عن أعذار تبرر الفشل وتنتظر من الآخرين التعاطف والمساندة من دون أن نعترف بأننا أخطأنا في تفصيل ما وعلينا أن نبحث عن الخطأ ونصححه إذا كنا فعلا متمسكين بالشريك ونحبه كما في الأفلام والأغنيات.