وليد خالد الزيدي /
يعاني الابن الأوسط في حالات كثيرة من التمييز وعدم المساواة مع شقيقيه (الأكبر والأصغر) داخل أسرته, ما يشعره بالنقص العاطفي ويجعله عرضة للمخالفة وللانحراف, فالابن، مهما يكن يحتاج حب والديه وتعلقهما به, كبقية الأبناء.
بعض الأسر تحب الابن الأكبر باعتباره البكر أو ما يسمى بداية العنقود وأول من فتح عيني أبويه على الخلَف, والابن الأصغر باعتباره الأحدث منهما وهو(المدلل), فيرى أوسطهم في تلك الحال أن هناك اهتماماً خاصاً بشقيقيه, هو ظاهرياً مثلهما وان كان لا يذكر ذلك بلسانه لكنه يرى ذلك تمييزا وعدم مساواة وهذا الأمر يتسبب بظهور المخالفات منه.الشعور هذا احد أسباب التعطش للغذاء العاطفي والروحي حيث تظهر آثاره سريعة على الابن الأوسط داخل الأسرة من خلال حالات الهيجان النفسي وعدم التقيد بالإطار السلوكي العام للعائلة, تؤدي به تدريجياً إلى الطغيان وبلوغ درجة العصيان.أشارت دراسات عدة على أبناء منحرفين أو سيئي التصرف إلى نتائج أفرزت أن اغلبهم كانوا يعانون من فقدان مساواة الاهتمام الأبوي لهم والتمييز الأسري بينهم, لاسيما حينما يكون الأبناء الوسط مع أشقائهم الكبار والصغار داخل أسر تضم ثلاثة أو أربعة أبناء أو أكثر, هذا الأمر ينطبق على كلا الجنسين بنين وبنات(على حد سواء).
رسوخ فكرة “عدم المساواة”
أم أحمد (39 عاماً) من بغداد روت لنا كيف تعطلت المسيرة الدراسية لابنها الأوسط (محمد) بعد أن شعر انه مهمل منها ومن والده واخذ يعتقد انه لا يحظى بالاهتمام نفسه الذي حظي به شقيقاه الأكبر والأصغر, قائلة: تعلقنا بابننا الأول (احمد) تعلقاً جمّاً بعد ست سنوات من الزواج, ثم رزقت بابن ثانٍ لم نقصر تجاهه في قدر محبتنا له، غير أن الابن الثالث جاء واهن البنية ضعيف القوام وأخذ قسطاً وافراً من اهتمامنا بعد معاناته من المرض لسنوات عدة، وأخذنا نعطف عليه بشكل خاص ونصحنا الأطباء بمعاملته برقّة, حتى أصبح في حال افصل, والابن الأوسط اخذ ينظر إلى حبنا لشقيقيه الأكبر والاهتمام الخاص للأصغر بحساسية مفرطة واخذ يؤول الأمور إلى حالة من تفريقه عنهما إلى درجة تمرده على نصائحنا, وعدم الاكتراث بتوجيهاتنا, لاسيما فيما يتعلق بتصرفاته مع إخوته وسلوكياته في المدرسة، الأمر الذي انتهى به إلى الرسوب سنوات متتالية والانقطاع عن الدراسة نهائيا عكس شقيقيه الآخرين.وأضافت أم احمد: لم نتعمد، أنا وزوجي، وصول ابننا الأوسط إلى شعوره الغريب هذا وحاولنا مرارا إقناعه بعدم وجود ما يحس به إطلاقا, لكنه كان قليل الإدراك لوجهة نظرنا ورسخت في باله فكرته تلك، هذا ما جرى بالفعل, وما زال يعاني نفسيا من هذا الشعور.
الأم ورسالتها الخاطئة
يقول لؤي جاسم (41عاماً) من مدينة بعقوبة: ظهرت سلوكيات غريبة على ابنتي الوسطى (حوراء) في سن الثامنة, لا اعلم ما هي الأسباب وأصبحت كثيرة التشكي لي من أمها وأخواتها حتى ساءت حالتها الصحية (النفسية والجسدية) فظهرت عليها أعراض ضعف المناعة والعزلة في البيت وعدم مشاركتها في الأنشطة البيتية كالتنظيف وإعداد الطعام وغيرها.وأضاف: تبين فيما بعد أن الأمر يتعلق بتعاطي أمها في حل مشاكلها مع بقية أخواتها في المنزل, فأمها تلزمها بضرورة إطاعة أختها الكبرى, ووجوب احترامها وأهمية العطف على أختها الصغرى باعتبارها طفلة لا تفهم من الأمور سوى أشياء بدائية وبساطة في إدراك معاني العلاقات الأسرية, مبينا إن تصرف زوجتي، برغم سلامته من الناحية التربوية، إلا انه أوصل رسالة خاطئة لابنتنا جعلها تشعر بأنها مذمومة في تصوراتنا, منبوذة في نظرنا.
ممارسات بعض الآباء غير سليمة
الحاج أبو كريم(63عاماً) يسكن مدينة الدورة جنوبي بغداد, جد لعدة أحفاد، يقول: لدي أربعة أبناء، ثلاثة منهم أولاد وبنت, لم افرق بينهم قط, وضعتهم في كفة واحدة بميزان محبتي وقدر اهتمامي, منذ نعومة أظافرهم, وكبروا وكونوا أسراً كثيرة الأبناء وهم الآن متحابون بينهم يلتقي بعضهم بعضاً, يواصلون أرحامهم باستمرار, غير أني اعتقد أن ما يفكك الروابط الأسرية هي ممارسات بعض الآباء تجاه أبنائهم حين يفرقون بين احدهم عن الآخرين لأسباب غير صحيحة.وأضاف: أحد أبنائي على سبيل المثال فضل ابنه الأكبر باعتباره سيكون رجل البيت بعده, كما ابدى اهتماماً خاصاً بابنه الأصغر لكونه يحتاج رعاية أكثر, الأمر الذي انعكس سلباً على ابنه الوسط واحدث فجوة كبيرة في إطار علاقتهم الأخوية الحميمة المطلوبة, وأتوقع أن تتسبب بمشاكل في مستقبل حياتهم.
الابن الأوسط “غير معترض”
وسام حسون(13عاماً) طالب متوسطة، يسكن المشتل شرقي بغداد، يؤكد على أهمية تفهم الأبناء لطريقة تعامل الوالدين تجاههم والتي لا تتعدى حدود المعرفة الحقيقية لأبنائهم وخصوصية كل منهم, ويقول: لا اعتقد أن الآباء يفرقون بين أبنائهم إلا على أسس تتعلق بطبيعة الابن نفسه كأن يكون مريضا أو أن له شخصية تحتاج متابعة خاصة تختلف عن أشقائه.وأضاف: أنا الابن الأوسط بين إخوتي, لم اعترض على معاملة أبي وأمي لأخي الأكبر بشيء من الاحترام أو معاملة أخي الأصغر بطريقة عاطفية أكثر مني ليس بالضرورة لاختلاف درجة حبهم لأي منا, بل ربما الأمر يتعلق بحالة خاصة لكل منا أو سمة أخرى يراها الآباء ولا نراها نحن.
أكثرهم اعتداداً بالنفس
د.عبير الجلبي مدير مكتب رعاية الطفولة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تضع أسباب تلك المشكلة في مدى تفهم الأبوين لدورهما,في تنامي شعور أفراد الأسرة بالمساواة في التعامل معهم,وتقول الجلبي:من الضروري أن يرعي الوالدان أبناءهما بروح العدل والإنصاف,مع أن الطفل الأول ينتظره الجميع, الأب, الأم والعائلة فيأخذ حظاً اكبر من الدلال، والأم تستفيد من تجربتها معه, فربما يتميز بعناد ونرجسية ودلال, وحينما يأتي الطفل الثاني (الأوسط) قد تكون رعايته ليس كشقيقه الأكبر, إنما أخطاء التربية أو التعامل مع الأول سوف لن تكررها في الحالة الثانية,وتسعى لتلافيها أثناء تعاملها مع الأوسط, والذي غالبا ما يكون أكثر اعتدادا في ذاته, يعتمد على نفسه, شخصيته أقوى, شعوره بالمسؤولية أوسع, ومميز بين إخوته في العائلة, ومن المهم أن يخضع للعناية نقسها, أما الطفل الثالث سوف لن تشعر الأم باختلاف طبيعة تعاملها معه أو رعايتها له فيكون مدللاً هو الآخر, لذا فالأطفال ما بين الأول والأخير شخصياتهم تختلف عن البقية.