آية منصور/
ما الذي سيحدث عند عبورك ضفة السبعين؟ تمرّ الحياة سريعة من دون أن ينتبه لها الإنسان حتى يرى خصلات الشعر وقد بدأت بالتحول تدريجياً إلى اللون الرمادي، سيستقبل جسده الأمراض بصورة مضاعفة وأسرع مما كان عليه، ويصبح هزيلاً.
عندنا، لن تجد أحد وصل هذا العمر دون أن يمرّ بحرب، بحبّ أو حتى بعقبة طويلة في حياته. علماً أن الشخص سيبدو أكثر نضجاً وحكمة مما تعلمه من الحياة، لكن هل كلّ من بلغ السبعين أو تجاوزها ينظر إلى ما مضى من حياته برضى، أو إلى أيامه المتبقية باطمئنان؟
أريد أن أموت
حين بلغ الرئيس الأميركي”ترامب” السبعين من العمر، أصبح رئيساً لأهم دولة في العالم. أما كاتبة القصة الكندية آليس مونرو فقد حازت على جائزة نوبل بعمر الرابعة والثمانين. وأسماء أخرى عديدة استطاع أصحابها أن يجعلوا شيخوختهم ربيع عطاء. لكن السؤال هنا، لمَ يعمل المستقبل مع الأشخاص هناك حتى وإن تخطّوا المئة، لكنه يقف عند العراقيين عند هذا العمر بل حتى في عمر أصغر من ذلك؟ إلى حدّ تكاد تكون معجزة أن يصل العراقيّ إلى سنّ السبعين.
الحاج أديب (77 سنة) الذي يسنده عكازه فيما يجلس عند عتبة بابه، قال لي: “إنها لمعجزة حقاً، أن تتخطى جميع هذه الحروب والسيارات المفخخة وتعبر السبعين، هل هناك إنجاز أكبر؟ هذا إنجازي” يضحك فيما تبدو أسنانه قد تساقطت منذ أمد بعيد، ويسأل باندهاش “كيف خرجت حياً من حرب إيران والحصار والحرب الجديدة التي أنجبت حروباً أخرى مصغرة”؟
هل كان الحاج أديب متشائماً وهو يطلب مني أن أدعو له بالموت للتخلص من بقايا الحياة، قال لي “أريد أن أموت. الحياة صعبة ومنغصاتها كثيرة”.
قال: عمر قضيناه بالحروب دفاعاً عن حكومات لم تؤمّن لنا يوماً حياة متزنة، لم يحق لنا السفر في زمن الطاغية، وكبرنا وأصبحنا لا نستطيع المشي حتى عتبة الباب.
أريد أن أعيش للأبد
على النقيض تماماً من تشاؤم الحاج أديب، كان جواب السيدة عائشة التي تجد أن الحياة يجب أن تعاش بجميع لحظاتها، من دون اكتراث لأيّ منغص آخر.
“لقد تمكنت من السفر لدول عديدة، اكتشفت الحياة في مجتمعات أخرى. الحياة جميلة، وكل لحظة إضافية هي “خير وبركة” فلنستغلها جيداً”.
تؤكد السيدة عائشة ـ التي كانت تعمل طبيبة أسنان ـ أنها عملت في المجال الذي تحبه وتزوجت الشخص الذي تحبّ وأنجبت ثلاثة أطفال.
“كل مريض يزورني يجعلني أشعر وكأن الألم في أسنانه نهاية العالم، أشعروني بذلك حينما أردت إنجاب ولدي الأول وأخبروني أني سأموت لارتفاع ضغط الدم، لكني أنجبت اثنين بعده!
وترى أيضا أن نجاح أولادها وتخرّجهم، كما استقرارهم هو كل ما تبحث عنه اليوم وما تريده.
قفزة من ناطحة سحاب
السؤال هنا هل أن الحياة ستصبح مملّة وقتها؟ هل يشعر المرء بالملل من الحياة حينما يصل إلى هذا العمر؟
يجيبنا السيد مصطفى ـ الذي أبهرني بقدرته على سرد الحكايات
– “لو تمكنت الآن لقفزت من أعلى ناطحة للسحاب، لكن عظامي لا تساعدني”. يضحك طويلاً ثم يكمل “لقد كانت الحياة مغامرة رائعة، فأن تمر بكل هذه الحروب هي مغامرة فعلاً، واجهني الموت مرات ومرات وفي كل مرة أجزم أنه لن يتمكن مني”، ثم يضيف “الحياة كذبة. أحياناً نسأل أنفسنا: ما الغاية الحقيقية من وجودنا؟ هل نعيشها وحسب؟ أم نعيشها من أجل غاية معينة. الحقيقة أننا سنموت جميعاً في النهاية، فلمَ كلّ هذه الهموم؟ ولمن؟”
أريد حبيبتي
السيد عباس قال إن الحياة تفعل ما تريد وهي التي تقدم للأشخاص ما تريد وتأخذ منهم كذلك ما تريد. “لا أستطيع مقارنة حياتي بحياة شخص في مثل عمري عاش في بلد لا حروب فيه، لكنّ حكاياتنا مختلفة” يقول “لقد أحببت امرأة وتركتها دونما سبب، وأنا اليوم أعيش ندمي”.
هو يرى أن الشخص يصبح أكثر دراية بالحياة، قنوعاً بعض الشيء، إذ ينضب كلّ اندفاعه في مرحلة الشباب، تتغير الكثير من المفاهيم لديه ويصبح أكثر تقبلاً للآخرين ولأفكارهم، حيث تتضح له الأمور أكثر. لكنه يظلّ يحن لكلّ طيش فعله أو لم يفعله.
الحياة سريعة
“أريد الزواج”، هكذا بدأ مصطفى كلمته وهو يضحك، ثم أردف “أنا بالطبع أمزح، لا أريد شيئاً سوى أن يكون يكون جميع صغاري وأحفادي حولي ساعة أموت، حينها سأبدو مطمئناً وأنا أتهيأ للرحيل”.
ويضيف مصطفى أن “كل ما يفعله الرجل أو المرأة هو تحضير حياة جيدة لأولادهم، فإذا ما وصلوا إلى عمر الشيخوخة أصبحتْ أقصى أمنياتهم سلامة أولادهم لا أكثر” ويكمل “لقد كنت أتمنى لو أني أخترع شيئاً ما، مفيداً بعض الشيء، لكن الأيام مرت سريعة دون أن ننتبه لها”.
أمنية أخيرة
السيدة آمنة لا تريد سوى الحج، هي تقدمت لقرعة الحج أكثر من مرة ولم يخرج اسمها، ولهذا فهي حزينة. “كل ما أريده هو زيارة بيت الله، سأتأكد كم أن حياتي كانت رائعة إذا ما ختمت بتحقيق هذه الأمنية”.