محنة تفضيل الذكور على الإناث “أم البنات” تحمل الهمّ إلى الممات!

آية منصور/

“تخيلوا، كلما تشاجر معي زوجي (عيّرني) بـ (أم البنات)، طيب أليس هو المسؤول عن تحديد جنس الطفل، وأنا لست سوى (ماكنة) إنجابية برحم وحاضن يخزنان الطفل الذي يتمنى أبوه أن يكون ذكراً، ليفضله في التفاخر بالرجولة، إذن لماذا يجري تعنيفي نفسياً وتحميلي المسؤولية والذنب بألقابٍ (احتقارية) ومؤذية لأن النصيب لم يرزقني بولد !؟
هكذا تحدثت المُبتلية (مها)، التي لا تبدو بخير، إذ لم يمر على إنجابها البنت الثالثة سوى شهر ونصف، فزوجها يهددها بالطلاق، وأمه تطلب منها (أن تشد حيلها) لتحبل مجدداً، وهي تراعي طلباتهم وشروطهم (الإنجابية).. مثلاً: انجبي لنا الولد، اجلبي لنا آدم، لنسميك أم آدم، طيب وحوراء، ابنتكم الكبرى أين ذهبت، وسرى وهايدي؟!
الولد عزوة والبنات هم!
تسترسل مها باكية: “الكثير من الرجال، بحسب ثقافتهم التقليدية، يعتقدون بأن الطفل الذكر هو الذي يحمل اسمهم، الذي سيكون العون والسند والعزوة للعائلة، على حساب إنجاب الإناث، أولاً باعتبارهن عبئاً وهمّا يستوجبان القلق، كما أنها لن يحمل أحفادها أسماءهم بل أسماء رجال آخرين. نعم ما زال الكثيرون يفكرون بهذه الطريقة، ويحاولون قدر الإمكان جعل زوجاتهم مكائن إنجابية وحسب، حتى يصل (الولد)، إذ يبدو الموضوع وكأنه (وأد) جديد، دون مراسم دفن، بل ستكون في الحياة، من خلال المعاملة التي تتلقاها الأم وبناتها، وكأنه نوع من العقاب على عدم إنجاب الصبي.”
مها، التي تعد البكر في عائلتها، تؤكد أن والدها كذلك ما زال يسمي نفسه (أبو محمد)، وليس (أبو مها)، على الرغم من أن محمداً كان الخامس بعد أربع بنات، لتصطدم هذه المرة بزوجها الذي هو الآخر يفضل أن يحمل ولده اسمه، بدلاً من ابنته، حتى أنه، كما توضح، لا يعامل فتياته كما يعامل أبناء أخيه، لكونهم أولاداً، بل إنه غالباً ما يطلب مني أن أصبح مثل زوجة أخيه، إذ يقولها بتهكم (صيري مثلها شبيج شناقصج ومتجيبين ولد)!
الشفقة تدمر الشخصية
“إنجاب الولد مدعاة للفخر والعزة، فهو الدليل في أعين الجيران والأقارب على فحولة الأب وتعزيز مكانة الأم في أسرة زوجها، ويُنظر أيضاً إلى الأبناء الذكور على أنهم يحمون أخواتهم.” كما يعتقد (محمد الساعدي)، الذي يحب بناته كثيراً، لكنه يفضل أن يطلق عليه (أبو علي) بدلاً من (أبو هدى) رغم أنها البكر، إذ يقول: “نعم، هذه عاداتنا التي تربينا عليها، التي لا نستطيع كسرها، أعلم أنها مزعجة ومؤذية، للمرأة خاصة، لأنها من تتحمل هذا العبء.”
وتؤكد هذه العبارة أيضاً (آمنة أحمد)، التي طلبت الطلاق من زوجها بسبب التعنيف النفسي الذي تتلقاه من عائلته لعدم إنجابها الولد، وأنها واجهت كل أنواع الصعوبات لأنها أم البنات: “في صباحي ومسائي أسمع الكلمات السامة، وأرى النظرات التي تنم على شعورهم بالشفقة على بناتي لأنهن دون أخ، كان شعوراً ظالماً، لكن هذا ما اختاره الله لي، وأنا أكثر من ممتنة وسعيدة به، أحب بناتي اللاتي لا يعوضهن شيء وحينما أنجبتهن كنت أفرح بشدة لإنجابي بنات، لا يهمني جنس الطفل بقدر ما تهمني طريقة تربيته في بيئة صحية وسليمة، لكن هذه البيئة لم تكن مناسبة لفتياتي اللواتي صرن يتأثرن ويقلن (نريد أخاً صبياً يساعدنا على مواجهة مصاعب الحياة)، وكأنهن غير قادرات على حماية نفسهن.”
لم تحتمل آمنة ما حصل لها طوال سنوات من ضغط وإجبار على الإنجاب، وتحديداً إنجاب الأولاد، فطلبت الطلاق، ونالته أخيراً.
موروثات اجتماعية ظالمة
الباحثة النفسية (سهى الأحمدي) فككت لنا أبعاد هذا الظلم المجتمعي الساري المفعول حتى الآن:
“إن تفضيل الأبناء الذكور له أساس قوي في الحياة العملية، فالآباء يتوقَّعون أن يُقدِّم أبناؤهم لهم العون والرعاية عند كبر سنهم، وأن يساعدوهم في اجتياز الصعوبات في الحياة اليومية، كما تقضي التقاليد المحلية بأن يعيش الآباء كبار السن مع أحد الأبناء الذكور وأسرته، وأن ترعاهم زوجات أبنائهم، ولا يفضلون أن يعيشوا مع أزواج بناتهم لأسباب شرقية لا يستطيعون التخلي عنها. هذه الأفكار خاطئة وليست صحيحة، بعض الآباء يكونون أنانيين من خلال فكرتهم المعتمدة على ترسبات وموروثات اجتماعية متعلقة بما فعله الأسلاف في شبه الجزيرة العربية، وكان من المفترض أن يترك بعض الآباء هذه الفكرة منذ زمن سحيق، لكن الانغلاق يلعب دوراً ويسهم في تعزيز التعنيف ضد الفتيات والنساء.”