آية منصور /
عند واجهة إحدى شركات السفر، ثمة اعلان كتب على ورقة بخط بارز يؤكد حاجة الشركة لفتاة بمواصفات معينة، ذات وجه حسن، ولايتعدى عمرها الـ 25 سنة. نعم، تخيلت عدد الفتيات اللا تي أرسلن سيرهن الذاتية الى تلك الشركة طمعاً في تلك الوظيفة، في بلد يعاني فيه الشباب البطالة وانحسار فرص العمل، فتصبح الفرصة الواحدة ثمينة للغاية، يتهافت خلفها العشرات، ولا يحصلها في العادة إلا صاحب الخبرة العالية جدا، او “الواسطات.”وهنا اتساءل: كيف لو كانت الفتاة هي الباحث عن العمل؟
تقرير دولي
يؤكد تقرير نشره صندوق النقد الدولي، أن معدل البطالة لدى شريحة الشباب في العراق بلغت أكثر من 40 بالمئة.
وجاء في التقرير أن “معدل النساء اللواتي يقعن خارج القوى العاملة في العراق، يبلغ قرابة 85 بالمئة.”
حسناً، لعلنا ندرك اتساع ظاهرة ابتزازهن وفقاً لمعطيات ذلك التقرير، وهن يصارعن للحصول على فرصة عمل.
المهم وجهك!
بيداء سالم، مترجمة (25 عاماً)، لا تريد العمل تحت سلطة رب عمل، او لعلها تفضل ان تصبح من ضمن الـ85 % من العاطلات، على التفكير ولو للحظة، فهي لا تحتمل ابتزاز اصحاب الكراسي، حسب قولها.
تقول: اعمل على نظام القطعة، فكلما احتاجوا لمترجمة، يتصل بي عدة أصدقاء وأعمل، لقد حاولت العمل في احدى الشركات كمندوبة مبيعات، ولم أطق تصرفات القائم على المقابلات، كان يحدثني طوال الوقت عن شعري المجعد وتدويرة وجهي، أخبره عن خبرتي فيجيبني عن جمال وجهي لأنه الأهم في كسب المال.
خمس وظائف خلال عامين
فيما تروي سارة احمد (33عاماً) قصتها مع الابتزاز بطريقة سريعة وهي تلفلف خصلات شعرها وتعيدها الى الخلف، تبتسم ابتسامة كبيرة وتقول:
-لقد عشت الابتزاز لسنتين كاملتين، خسرت خلالهما نفسي، من اجل توفير المال لعائلتي، انا معيلة لأخواتي وأمي بعد استشهاد والدي بانفجار سيارة مفخخة، لم يقف معنا احد، ولم يكفنا راتب والدي التقاعدي ونحن ننضج ونحتاج المال اكثر.
وتؤكد سارة تنقلها خلال هذه السنتين لأكثر في خمسة أماكن وظيفية، كانت أطولهن مدة 8 أشهر في شركة مقاولات.
-كلما عرفوا أني يتيمة ودون إخوة، تزداد محاولاتهم للاستغلال، احد المدراء أخبرني، يوماً ما، ان ما من احد سيراقب تحركاتك، لا أب، ولا أخ، أصبت بصدمة جعلتني أهرب من المكان حتى دون ان آخذ راتبي الأخير منهم.
اخلعي الحجاب لتحصلي على وظيفة!
فيما تبتسم سعاد وأنا أوجه السؤال هذا لها، هل تعرضتِ للابتزاز؟ وتجيبني بسؤال: أي نوع للابتزاز؟ انها كثيرة وعديدة! تقول ذلك وتؤكد أن الابتزاز تعدى حدود التحرش اللفظي، واصبح اكثر تطرفا:
-مرة قابلت احدهم من اجل العمل في صيدليته، كان وجهه متجهماً للغاية وعصبيا ورفضني بطريقة واضحة، حينما تساءلت عن سبب رفضه اخبرني
صديقي، الذي وجد لي تلك المقابلة، ان المدير يقول: لقد حضرت وهي ترتدي كل ملابسها، لم تترك لنا شيئا لرؤيته، ساق ذراع، أي شيء!!
السؤال الذي راودني يومها، انها صيدلية يبتاع منها المرضى، ماذا أفعل لهم وانا استعرض جسدي؟
تعقب ندى الفلاحي، وهي صديقة سعاد، مسرعة كمن يتذكر حادثة مهمة عليه تذكرها بالقول حول الابتزاز:
-قدمت مرة على قناة من اجل العمل كمقدمة برامج، طلبوا مني مقابلة احد “المدراء” لكونهم كثيرين للغاية ولا تعلم أياً منهم هو المدير الحقيقي، حتى قابلني احدهم بابتسامته ونبله وطيب خلقه، ثم تركني اكمل جميع معلوماتي عن عملي السابق، دراستي وحالتي الزوجية، وحينما انتهيت من الكلام اخبرني سعادته للعمل معهم لكن له طلب صغير جدا وغير مهم، حينما سألته اجاب:
-عليك ان تخلعي الحجاب، وتكثري لنا ارتداء التنانير القصيرة.
أطلقنا، ودون علم، ضحكة عالية في أرجاء المكان ثم ذهبت لأكمل بحثي عن هذه القصص.
امنحيه رقم هاتفك ليخبرك عن حياته كل لحظة
اما غفران جاسم (22 عاماً) فترى ان هؤلاء “المبتزين” لا يكلّون ولا يملّون من إلحاحهم ومحاولاتهم جذب ضحاياهم الباحثات عن العمل، احدهم تورطت ووضعت عنده رقم هاتفي، صار يتصل بعد منتصف الليل لمرات عديدة، وحينما استغربت اتصالاته اخبرني انه المدير الذي يهب الاموال، المدير الذي يجب الرضوخ لكل طلباته حتى بعد منتصف الليل.
وتحمل غفران الحكومة مسؤولية هذه الظاهرة التي لا توفر فرص عمل، ذلك ان هذه التصرفات لا يمكن ان تحصل في القطاع العام، لأن المرأة تستطيع تقديم شكوى لكل من يحاول ابتزازها، لكنها لا تستطيع فعل ذلك لمدير شركة اهلية بالطبع لأنه “المدير الذي يهب المال” كما تقول، مسترجعة كلام ذلك المدير وتضحك.
جرائم مخلّة بالحياء
وتشرح المحامية إسراء البسّاط اهمية التصدي لهذه الحالات بالقول:
-ان مثل هذه القصص تندرج ضمن “التحرش” والتي اقرها قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، وأفرد لها المواد (402،401،400) تحت عنوان “الجرائم المخلة بالحياء”، وعقوبتها الحبس مدة لا تزيد عن سنة أو غرامة مالية. وعليه، فكل من تستطيع امتلاك ولو دليل واحد بتقديمه للقضاء، من اجل ان يصبحوا عبرة لغيرهم.
وترى البساط ان غالبية الفتيات، يتخوفن من افشاء هذه المضايقات التي يتعرضن لها لأسباب كثيرة منها رفض الأهالي استمراهن في العمل.
-اللوم يقع على الفتاة دائما، لذا فكل فتاة تتعرض للابتزاز تهرب من العمل دون ان تخبر احدا، خوفا من الفضيحة، التي ستقع عليها.. لا على المبتز!