آمنة الموزاني /
يُقال إن هنالك “فخفخة” مرضية تتحكم بميولهن المأزومة وتجبرهن قهراً على شراءِ كل ما يلمع ويغمز للعين في الأسواق. هذا الهوس ، كما يعتقد الرجال “المنكوبون”، لا يقل خطورة عن إدمان الحشيشة، باعتباره يساعدهن في التخلص من المشاعر السلبية المملة، ويحرر الأفكار غير المرغوب فيها عن ضنك الحياة اليومية..
صرف أموال بلا وجع قلب، وشراء حاجات مكانها في الغالب “شيلري” البيت المخصص للأغراض المتروكة، هو ما يجمع عليه رجال كثر في دول أوروبا التي اساساً لا يمكن تحصيل الأموال فيها من سوق العمل إلا بشق الأنفس والأبدان، والنتيجة صرخات دفينة تردد في كل مكان:
خلف كل جيب فارغ .. امرأة!
سعادة وارتياح نفسي
هوس إسرافي مثير، اعترفت به العراقية المغتربة في السويد (دينا سلام)، المرافقة لزوجها الصامت وفي عينيه ربما ألف حكاية، أثناء حديثها عن عقدة تسوق الماركة، قائلة:
“وصل هوسي باقتناء الماركات، سواء الخاصة بالعطور، أو الملابس، أو الأحذية والحقائب، الى درجة أني لم تعد لدي أية قطعة في الخزانة خارج هذا الإطار، علماً بأنني لست من ذوي الدخول العالية، وأعترف أن زوجي صار يعاني بصمت بعد سلسلة طويلة من الخلافات. ولكي أبتاع كل تلك الماركات أصبحت أتبع طريقة معينة أعتقد أن الكثيرين في السويد يتبعونها، وهي شراء المستهلك عن طريق الإنترنيت، لأن المعروف عن الفرد السويدي أنه يستخدم الحاجة لموسم واحد أو أقل أحياناً، وبعدها يقوم بعرضها للبيع كحاجة مستعملة ربما بنصف السعر أو ثلثه. وبما أن المعروف عن الأوروبي عنايته ومحافظته على جودة الحاجة ونظافتها، لذلك سيكون شراؤها ملائماً جداً بالنسبة لي. وفيما يخص جزئية اعتبار الموضوع نوعاً من أنواع الهوس النفسي، أو التعلق المرضي، أو الماركة، التي جعلت فروقاً ظاهرية بين الناس، فأنا شخصياً لا أنفي ذلك، ولكن ما المانع إذا منحني هذا الهوس شعوراً بالسعادة والارتياح النفسي؟”
صرف بلا وجع
أول “جعجعة” تذمر ذكوريَّة علنية من هامبورغ الألمانية، جاءت على لسان (مصطفى الحمداني)، الممتعض بشدة من قضية إفلاسه أولاً بأول، كما يسميها، قائلاً:
“بصراحة فإن الحصول على المال في ألمانيا، أو أوروبا عامة، هو أمر ليس بالهين، بل بجهد مضاعف، لذلك يفترض أن تكون قضية الصرف مقننة من قبل النساء، او على الأقل بحسب الضروريات، لكن هيهات، لأن المال المهدور -بلا وجع- ليس مالها، فلو اطلعتِ على (مخزن) البيت لوجدتِ حاجات اشترتها زوجتي مازالت غير مستعملة أساساً. أعتقد أن الحياة المعاصرة ربطت بين السعادة والشراء، وغرست الصور الإعلانية والدرامية أن الترفيه يعني التسوق، فأصبح لدينا ما يمكن تسميته بـ(التسوق العاطفي)، لكن المشكلة ليست فقط في ضياع الأموال وتبديد الوقت في الأسواق، وإنما أيضاً في حالة الضيق التي تنتاب مدمن التسوق بعد الانتهاء. أتذكر أني شاهدت إحدى مدمنات التسوق في البرنامج الأميركي الشهير – أوبرا وينفري- أنها، بعد العودة إلى البيت ومعها أكوام من الملابس والبضائع الجديدة التي هي ليست في حاجة حقيقية إليها، تشعر بندم كبير، وخجل من زوجها وأولادها، فتبقي الأشياء في السيارة حتى يناموا، ثم تضعها في مخزن البيت.”
الرجال لا يقلون هوساً
المترجم في دائرة الهجرة البلجيكية (ثائر العراقي) اعتبر أن القضية لها بعد مزاجي وفوبيا نفسية للطرفين، قائلاً:
“هوس التسوق تحول الى مرض مزعج، ومن الظلم قصره على النساء فقط، إذ أن الرجال أيضاً لا يقلون هوساً عن النساء، فبعدما كان الشراء في حياة الناس مرتبطاً بالحاجة أو الضرورة، وربما بعض الكماليات أحياناً، وفي ظروف معينة كالأعياد والمناسبات، لكنه اليوم تحول إلى عادة، وعند البعض وصل حد الإدمان، وهذه ليست مبالغة، فإدمان التسوق من أشهر أنواع الإدمان السلوكي انتشاراً، فالرغبة فيه تلح على الإنسان، لأنه يشعر بالراحة عند القيام به”.
إعلانات وعروض مغرية
المختص بقضايا التنمية البشرية (فارس رشيد)، لفت نظرنا الى أن المرأة المصابة بهوس الشراء لا تعترف، ولا تعرف غالباً، بأنها مهووسة بالتسوق أو مصابة بالتخمة، وإنما تعتبره من لوازم البيت.. مكملاً:
“كل ما في الأسواق والإنترنيت والمولات مغرٍ، وصار مغلفاً بطريقة تثير أية امرأة مهما كانت درجة اتزانها، كما أن المحال الكبرى أصبحت توفر لزبائنها أماكن فاخرة للجلوس عند الشراء، يخدمهم بائع، أو بائعة ذات مظهر لائق يشعران المشتري بأنه شخص محبوب ومحترم، فترتفع ثقة الفرد المتعب المحبط بنفسه ويعاود الشراء ليستمتع بهذا. وكذلك تفعل التنزيلات التي تعلن عنها المحال التجارية، التي ماهي إلا حيلة تمارس على المستهلك تدفعه لأن يصرف. أضيفي لها الدعاية التي تدرك أن المرأة تصاب بالكآبة أكثر من الرجل، لذلك فإنها (الإعلانات) دائماً ما تظهر الأفراد الذين يشترون سعداء ممتلئين بالحيوية، وأن الآخرين يلتفتون إليهم، ولهذا تسعى المرأة لشراء البضاعة لأجل تغذية هذا الأمل الكاذب، فضلاً عن انتشار المجلات التسويقية، والإنترنت، وكذلك وفرة أسواق السوبر ماركت التي هي أخطر من الأسواق العادية في عرض التنزيلات والدعايات والتلفزيون.”