يخرب بيت الحب؟

د.قاسم حسين صالح/

يعجبني صنف من الإعلاميين يمتلكون ثقافة سيكولوجية، ويعرفون كيف يوظفونها بأسلوب شيق لتصل رسالتهم إلى المتلقي كما لو كانت ماءً بارداً في يوم تموزي.

من هؤلاء الكاتب المصري الساخر (أحمد رجب) في كتابه ذي العنوان الشعبي الساخر أيضا (يخرب بيت الحب). فمن جميل ما جاء فيه قوله: (لا يوجد عاشق عاقل، كل العشاق مجانين والحب يشترك في أعراضه مع الأمراض العقلية والنفسية كافة ابتداء من الهلاوس الى الهستريا الى الوسواس القسري).

ويضيف أن النصائح لا تجدي مع العشاق متفقاً مع القول العربي المأثور “ليس بالحب مشوره.” وهذا يصدق على حالات امرئ القيس وزمانه..لا زمن النت والفيسبوك. وكنا كتبنا عن أن للعشق قانونين،الأول:أن العقل الانفعالي، وليس المنطقي، هو الذي يتحكم به، والثاني: أنه يموت عند الزواج. وأن الحب قد يجعل منك ساذجاً ترى الحقيقة المرّة أمامك بعيون من أحببته مع أنه لا يبادلك نفس المشاعر، وأنه يعمينا عن رؤية تفاصيل مهمة لأن في داخلنا حاجة تدفعنا الى أن نقع فيه ونعيشه، وأنه يمكن تزييف الحب، ويكون مذاقه أطعم وأفضل من الحب الحقيقي، لكنه يسقط في النهاية لأنه لم ولن يكون أبداً حقيقياً ..وقد يكون المصير..الجنون.

ويرى رجب أن المرأة تصل الى قلب الرجل على نحو أسهل وأسرع من قدرة الرجل على الوصول الى قلب المرأة، مفسّراً ذلك بأن (الرجل مظلوم لأنه ولد بلا مقاومة ولا مناعة أمام إغراء الأنوثة والجمال). وهو يفرّق بين الرجل والمرأة إذا وقع أي منهما في الحب. فالرجل يسمع أكاذيب من يحب ويحاول أن يقنع نفسه بصحتها لأن الحب لديه يتغلب على الشك، أما المرأة فتستمع الى أكاذيب من تحب ولكنها تظل في ذاكرتها وتستدعيها في اليوم الذي تختار فيه موعد المعركة!

وأحمد رجب يرفض مقولة (الحب من غير أمل أسمى معاني الغرام) التي أشاعها فريد الأطرش، ويرى أن المعنى الأكثر دقة هو (أن الحب من غير أمل أسوأ معاني الغرام)، مضيفاً أن الحب من طرف واحد يكون مبرراً فقط في فيلم سينمائي ولا يليق بإنسان يحترم كبرياءه، وأن الحب يحتاج الى شخصين، فيما الحب من طرف واحد أمر غير طبيعي إلا إذا أراد العاشق أن يكون فاعل خير!.

ومن مفارقاته أنه يرى أن (الزواج حل لمشكلة مؤقته اسمها الحب)، وأن الصواب يجانب من يرى في الزواج إنقاذاً للمحب من الانتحار، اذ يرى رجب في الانتحار (ميزه عظيمة) لأنه سينقذ المحب من الزواج.. وهو رأي نخالفه لأن الحب هو توأم الحياة والجمال، وأنه أرقى عملية يمارسها الإنسان لأنه من خلالها تستطيع مكوناته الجسمية والنفسية والعقلية أن تمارس أعلى وظائفها وأعمقها تغلغلاً في كيان الانسان، بحسب رأي مواطنته.. نوال السعداوي.

ويرصد رجب (82 سنة) جانباً عبر التاريخ قائلاً: إن الرجل مهما تبلغ قوته يكون في حاجة الى حب امرأة، وإن للجبابرة أحوالاً مختلفة في حضرة النساء، ولهذا لم يحب نابليون امرأة مثلما أحب جوزفين، التي كانت تخونه كما تتنفس، وكان يصدّق أكاذيبها لأنه يريد أن يصدقها، فيما كان الزعيم النازي هتلر وديعاً مع ايفا بيرون. ويبدو أن (رجب) لم يشاهد كيف كان حال (السلطان)..وهو الجبّار المحارب القاسي المخيف الرهيب..أمام زوجته (هيام) في حريم السلطان!.

وينتهي الكاتب الى القول بأن للحب دورة حياة فاذا اكتملت مات، اذ (لا يعّمر الحب طويلاً إلا في الكتب)، وهو رأي ينطبق علينا نحن العرب، اذ لا يتجاوز عمر الحب بعد الزواج ثلاث سنوات، لكنه يتحول آخر العمر، في حالات، الى صحبة أصدق وأنبل من الحب.وفاتَه أيضا أن كلاً منا يحمل في داخله صندوقه الأسود..كاتم أسراره وخطاياه ونقاط ضعفه وما يخجل عن البوح به، وأن الحبيب هو ذلك الذي نرتمي على صدره، نضحك، نبكي، نبوح له بما اخفيناه.. بدءاً من قبوله جسدنا العاري.

الجميل في هذا الكتاب سخريته الواقعية، لكنه يصدر أحكاماً تعميمية معتبراً الحب نوعاً واحداً فيما هو أنواع بينها الحب الرومانسي الذي تتحدد مشكلته بأنه خيالي..مثالي .أشبه بحلم، وأن الذي يقع فيه يريد أن يكون هذا الحلم حقيقة واقعه، فيما هما عالمان متباعدان..أعني: عالم الخيال الذي كل ما فيه جميل وطريقه سهل وناعم، وعالم الواقع الذي فيه القبيح والجميل وطريقه صعب وخشن. وبعكس ما اعتقد رجب الذي ساير الاعتقاد الشائع بأن الشابات أكثر رومانسية من الشباب، فيما العكس هو الصحيح إذ ترى الفتاة في الحب الرومانسي أنه (لا يفتح بيت ولا يوكل خبز) و (حب جنون من غير مأذون، يفتح الله) على حد تعبير نبيلة عبيد.

الكتاب ممتع وهو، بوصف (رويترز)، يتقصى فيه الكاتب أحوال المحبين وتقلباتهم بعد ترويض الحب وتحوله الى كائن أليف في مؤسسة الزواج فتصبح قبلة الزوج أمنية للزوجة في سياق يفتقد فيه الطرفان التقاط إشارات التواصل العاطفي، وفيه من السخرية ما يدفع القارئ الى الضحك من نفسه وعلى نفسه.. وهو بهذه النتيجة يبدأ اولى خطوات العلاج في أنبل وأسمى علاقة انسانية.