آية منصور/
من غير المنطقي أن نطلب من تلميذ في الثالث الابتدائي (ثماني سنوات) شرح سورة قرآنية كريمة، وتعريف معاني عبارات من قبيل (الفلق، غاسق إذا وقب، النفاثات في العقد) وهو لايزال يسأل عن معنى كلمات متداولة يومياً مثل (البرلمان، السياسي، الحرامي، الفاسد.. الخ)
أو أن نطلب من تلميذ في الثاني الابتدائي (سبع سنوات) حفظ وشرح دروس عن الفطريات وكيف تحصل على غذائها وماهي الفطريات وأنواعها وأهمية الفطريات للنظام الغذائي، وهو لا يعرف أصلاً ماذا تعني عبارة فطريات وليس الفطريات نفسها.
طبعاً هناك من سيقول حتماً وكيف تريدنا أن نعلّم التلاميذ، ونقول فوراً: في القرآن الكريم عشرات السور والآيات التي تتحدث عن الرحمة والتسامح والعدل والأخوّة بين البشر والنظافة والبر بالوالدين، وهي منزّلة بعبارات سهلة وواضحة يمكن للطفل أن يحفظها بسهولة ويسر. كذلك يمكن أن نعطي التلاميذ بهذه السن دروساً عن أنواع الحشرات وطبيعة الحيوانات وعن الأشجار والغابات والبحار، فهي أنفع من تعليمه شروحاً عن الفطريات التي قد لا يعرفها تلميذ الخامس والسادس الابتدائي ولا ينتفع منها. هنا جولة قامت بها “الشبكة” وسألت خلالها تلاميذ الدراسة الابتدائية عن الصعوبات التي يواجهونها في استيعاب وتعلم الدروس فكانت هذه الحصيلة:
طريق شاق
ما يزال التلميذ العراقي يشق طريقة للدراسة والتعلم بمشقة وصعوبة تبدأ بمعاناته الخاصة مع الظروف الأمنية والمخاطر الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية ولا تنتهي بصعوبة المناهج التي غالباً ما تفوق مستوى قدراته الذهنية.
التغير الكبير الذي حصل مؤخراً في المناهج التعليمية الخاصة بطلبة الابتدائية، أحدث فجوة هائلة وقع بها التلاميذ، أثرت على خط التعليم المعتاد عليه، فصدم المعلمون وأولياء الأمور. طلبة الصف الثاني والثالث الابتدائي يشكون كثيراً من صعوبة المناهج الدراسية ويجدونها عصيّة كثيراً على الفهم، الأمر الذي يؤكده أولياء أمورهم ومعلموهم كذلك، وفي الأخير لا تتبقى لهذا الطالب سوى محاولات فهم مامعروض له في الكتب.
حوار باللغة الإنكليزية
طلاب الصف الثالث في مدرسة التفوق الابتدائية، وعند سؤالنا لهم عن أكثر المواد صعوبة أكدوا أن درس الإنكليزي يعد من المناهج الصعبة للغاية، اذ يجد الطالب “يوسف” أن مادة الإنكليزي مكثفة للغاية وتحوي عبارات كثيرة، كما أن الواجبات المنزلية المطلوبة تكون أكثر من 25 كلمة للحفظ وتبدو في العادة طويلة للغاية.
الطالبة سارة تقول أن درس الإنكليزي يفرض أن يكون الحوار باللغة نفسها، غير المحادثات التي تكون طويلة وتحوي كلمات صعبة لا يستطيع الطالب التحدث بها أو نطقها.
أولياء أمور ساخطون
السيدة حنان، وهي معلمة العلوم للصف الثالث الابتدائي تؤكد أن تغيير المناهج ساهم بتغيير خطة التدريس في العراق بصورة شاملة. اذ أصبح المعلم يراجع المادة أكثر من مرة كما يطلب منه تغيير طريقة تدريسه كذلك.
وحول أهمية دور أولياء الأمور تضيف قائلة: قد يتوقع ولي الأمر أنه بمجرد أن يدرّس المعلم التلميذ، فقد انتهى دوره وهذا الشيء خاطئ جداً، إذ أن على الأب أو الأم متابعة ابنهم خصوصاً بعد تغيير المنهج.
وتؤكد ان العديد من أولياء الأمور أصبحوا يزورون المدرسة من أجل الاحتجاج على هذه المناهج، وهم يؤكدون صعوبة استقبال أبنائهم للمعلومات لكن لا حل لنا سوى مواكبة المادة.
فيزياء في علوم الثالث الابتدائي
وتضيف معلمة العلوم أن مادة العلوم هي الأصعب بين المواد لدى طلبة الصف الثالث الابتدائي، إذ تمرر عليهم مفردات وعبارات لا يستطيع الطالب استيعابها إلا في المتوسطة أو السادس في أقل تقدير. وتستطرد بالقول: هنالك الكثير من المواضيع في المنهج، مثل الضوء المعتم والشفاف. تخيلي عبارة “كيفية سير الضوء إذا صادف جسماً صقيلاً وناعماً وأملس” أو ماذا يحدث للضوء عندما ينتقل من وسط شفاف إلى وسط شفاف آخر.
إنها عبارات في غاية الصعوبة لطلبة بعمر الثالث الابتدائي، هنا يأتي دور المعلم وولي الامر لتبسيط الموضوع وتحويله إلى قصة مع الأمثلة الملموسة من أجل استيعابها من قبل الطالب.
راما والإسلامية
راما جمعة ،ثالث ابتدائي (ثماني سنوات) ، تقول: أصعب الدروس هي الإسلامية والعلوم. ونسألها لماذا فتقول: يريدون منا أن نحفظ سور القرآن الكريم وشرح المعاني وهي صعبة علينا. وتقول والدة راما: نحن أيضاً نواجه صعوبة في تدريس أبنائنا، فراما مثلاً تسألنا أحياناً عن عبارات وكلمات متداولة في حياتنا اليومية لأنها لاتعرفها بحكم صغر سنّها، فكيف يمكن أن تحفظ سور القرآن الكريم وتقوم بشرحها في الامتحانات.
وتستطرد أم راما قائلة إن عبارات مثل (الفلق، غاسق إذا وقب، النفاثات في العقد) لا يدرك معناها حتى الكبار فكيف بعمر الثماني سنوات؟
وعن درس العلوم تقول راما “عندنا درس عن الفطريات وكيف تحصل على غذائها وماهي الفطريات وأنواعها وأهمية الفطريات للنظام الغذائي، وأنا لا أعرف ماهي الفطريات”.
الوقت قليل والمنهج طويل
طلبة آخرون يقولون أن مادة العربي أيضاً تحوي العديد من القصص المطوّلة والمكثّفة بعبارات جديدة، مثل قصة ليلى والذئب وقصة افتح يا سمسم التي تتجاوز الأربع صفحات.
وهنا تقول الست (رؤى)، وهي معلمة، بأن المنهج غالباً ما يكون ضخماً بالنسبة للطلبة كما أن الوقت غير كاف، خصوصاً في بلد فيه الكثير من المناسبات والعطل التي تعمل على تقليص الوقت المحدد لدراسة المنهج، وهنا يقع المعلم في فخ التوقيت، حيث يحاول أن يكمل المنهج حتى نهاية السنة مع كتاب كبير جداً وعُطل كثيرة جداً ومواد صعبة تتطلب جهداً أكبر. وتضيف أن طلبة الصف الخامس الابتدائي وبعد إعلان نظام الكورسات أدرجوا لهم كتاب العلوم الذي يعادل الصفوف المتوسطة في مستواه، الأمر الذي شكل صدمة للطلبة. وتؤكد رؤى: نادراً ما يحتك الطلبة بالأشياء المدروسة في منهجهم، لذا فطريقة فهمها غالباً ما تكون صعبة بالنسبة لطالب الابتدائية.
جهاز الدوران
وعند سؤالنا تلاميذ الصف الثاني ابتدائي عن أكثر المواد صعوبة أجاب 15 طالباً من أصل 33 بصعوبة مادة العلوم إذ اكتفى الطالب أحمد بقول”عمل القلب” وسكت لتضيف المعلمة: أرأيت؟ المواضيع في العلوم صعبة للغاية، إذ أن مستوى هذه المادة العلمي يفوق مستواهم العقلي بأشواط، فكيف يتم تدريس عمل الجهاز الهضمي أو القلبي أو جهاز الدوران لطلبة الثاني الابتدائي؟ هنالك أمور أبسط يجب التعرف عليها قبل أجزاء الجسم. كما أن جميع هذه المواد كانت تدرّس لطلبة الخامس والسادس ثم انتقلت الى الثاني الابتدائي.
كما يرى الطلبة ان درس العربية كذلك من المواد الصعبة جداً إذ يحتوي على القواعد التي تؤخذ في الصف الرابع الابتدائي، وتضيف معلمة العربي الست ربيعة بالقول: العربي في الصف الثاني مكمّل للأول، التمارين تحتوي على قواعد لن يفهمها الطالب، وهنالك حروف الجر والنفي والجمع وأدوات الاستفهام، وهي غالباً ما تؤخذ في المراحل الأخرى المتقدمة.
ويؤكد طلبة الثاني أيضاً أن الرياضيات تعد من المواد الصعبة للغاية، ويقول الطالب أحمد عباس ان التقريب صعب، إضافة الى الأعداد الزوجية والفردية وهي بالغة الصعوبة بالنسبة لهم إذ لا يستطيع الطالب تخمين العدد الزوجي من الفردي أو فهمها.
ويقول تلاميذ آخرون ان امتحانات الرياضيات تتضمن جدول الضرب والناقص والزائد والتقسيم والكسور واجزاء الكسور كلها دفعة واحدة لتلميذ في الثالث ابتدائي.
تدريس بدون مناهج
تشير المعلمة فريال إلى أن كتب مادة الرياضيات ما زالت غير متوفرة للطلبة حتى بعد نصف السنة، ووحدها معلمة المادة تمتلك منهجاً تعمل على شرح المادة لهم من خلاله، فإذا وصل الطالب إلى البيت وأراد مراجعة ما تمت دراسته من قبل عائلته فكيف يفعل ذلك وهو لا يمتلك كتاباً حتى الآن؟ حينها يضطر للاعتماد على شرح المعلمة داخل الصف فقط.