عامر بدر حسون/
لا أدري إن كنا في نعمة ربانية أم نقمة في علاقتنا مع إيران وأميركا.. وكلما جاءت سيرة إيران أو أميركا أتذكر مثلاً انكليزياً يقول:
“من له مثل هذا الصديق ما حاجته إلى الأعداء”!
لديك دون شك صديق أو أكثر تكلفك صداقتك له مثلما تكلف صداقة هاتين الدولتين للعراق.. وقد تجد في تقليب المشكلة الأكبر حلاً لمشكلتك الأصغر.. فلنقلب الصفحات أو المواجع!
أول صفحة سنقرأ فيها أنه لولا أميركا لما تم الخلاص من صدام حسين ونظامه! هذا واقع وليس مديحاً أو ذماً حتى لا تضيع في التفاصيل.
وفي الصفحة الأخيرة ستجد أنه لولا مساعدة إيران وأميركا (ومعها حلفاؤها) لما أمكن الخلاص من داعش بهذا الثمن ولولا دعمهما للعراق في حربه لطالت الحرب وزاد التدمير.
لم تقف معنا في هذه الحرب جيوش العرب الجرارة ولم تفتح لنا خزائنهم ولم يقف معنا حتى الإعلام العربي بالشكل المناسب.
إيران وأميركا وقفتا بقوة معنا في هذه المعركة الجبارة والتي خاضتها قواتنا المسلحة بتضحيات وبسالة وخطط صارت تدرّس في الجامعات العسكرية العالمية.
أتوقف هنا لأقول أنك في السياسة لا تستطيع دائماً اختيار أصدقائك بسهولة، فمصالح العالم صارت متشابكة ومتضاربة ومن هذا التشابك والتضارب وجدنا الأخ الذي من لحمنا ودمنا (وفي أفضل مواقفه) يتفرج علينا ونحن نقاتل داعش.. فيما كان المقاتل العراقي لا يجد معيناً سوى الأسلحة والخبرات والتجارب الإيرانية والأميركية!
سيكتب عن هذا كثيراً عندما تكون للكتابة قيمة أكثر من الكتابة الدعائية!
لكن صداقة الأمر الواقع هذه جعلت العراق في ورطة.. فصداقة إيران مثل صداقة أميركا لا تأتي وحدها بل تسحب معها ذيولها وثمنها الباهظ!
صداقة أميركا تعني أنك ستكون حاملاً لجزء كبير من عداواتها وهي عداوات واسعة تمتد من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين في العالم.
وصداقة إيران تعني الأمر نفسه: عداوات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار! ولدينا جيران عرب يتساهلون و”يتفهمون” الصداقة مع أميركا وحتى مع إسرائيل لكنهم يوشكون على تكفير العراق وتخوينه بسبب صداقته مع إيران!
لكن هذا نصف المصيبة.. النصف الآخر يتمثل في تلك العداوة العميقة القائمة منذ عقود بين إيران وأميركا!
أعتقد أن علم السياسة (والسياسة بالمناسبة علم دقيق وليست شعارات ومشاعر كما هو سائد عندنا) يقول أن العراق “دبّرها”!
اما كيف؟ فلا أحد يدري!
ثقافتنا السياسية السائدة هي بالفعل ثقافة شعارات ومواقف انفعالية، وقد انشغلت في زمن البعث الطويل على ترسيخ الكراهية لهذين البلدين عند الجمهور، وشمل هذا المدرسة الابتدائية والجامعة كما شمل الإعلام والمواقف السياسية والتثقيف الحزبي بكل أنواعه!
مع ذلك تم تدبيرها!
أميركا أقوى دولة في العالم وإيران أقوى دول المنطقة، ولدينا معها أطول حدود (أكثر من 1300 كيلو متر).. كانتا معنا في حربنا التي هي حرب حياة أو موت!
هذا مكسب للسياسة الرسمية العراقية. وهو تهديم للسياسة الشائعة عندنا والقائمة على العداء المبهم للامبريالية من جهة والعداء لـ”الفرس المجوس” من جهة أخرى!