عامر بدر حسون/
الشائع عندنا، في سبيل المزاح والجد أيضا، أن العراقي يعرف كل شيء.
لا يوجد سؤال لا جواب له عنده.. سواء كان السؤال من اختصاص وكالة ناسا للفضاء الخارجي أم كان عن صناعة الطرشي (الذي صرنا نستورده من الصين)!
وبعيدا عن التظارف وافتعال خفة الدم، فإن هذا الأمر يتحول الى فضيحة أو كارثة عقلية وسياسية عندما يكون السؤال عن داعش!
فبعد قرابة ثلاثة أعوام من احتلال داعش لأجزاء هائلة من أرضنا وبعد اعلانها تأسيس دولتها.. وبعد الآف الشهداء والتضحيات في مواجهتها ومقاومتها ما زلنا، بثقافتنا وسياستنا وإعلامنا، نجهل العدو الذي نحاربه ولا نعترف بجهلنا هذا.. ويقف العراقيون اليوم كمصدر تشويش في الاجابة عن سؤال ما هي داعش ومن يقف خلفها؟
القنوات التلفزيونية التي تمثل في غالبيتها مواقف الأحزاب التي انشأتها تقدم أجوبة بكامل اليقين والثقة عن هذا السؤال.. السياسيون من قادة الأحزاب التي في الحكم أو المعادية للحكومة تقدم الجواب الواثق ذاته عن داعش.. كبار رجال ونساء الإعلام والمثقفون وصغارهم أيضا يملكون اجابات معلنة بكل يقين عماهية داعش.. وقارئ هذه السطور، مثل كاتبها، ومثل عمال المطبعة التي طبعوها، يملكون أيضا اجابات واثقة تعبر عن معرفتهم بداعش.
خلاصة تلك الأجوبة الواثقة تشكل أغرب خرائط الفوضى الفكرية والسياسية في ثقافة وسياسة العراق.. فقد اجمعت تصريحات المسؤولين، وغير المسؤولين على أن داعش «صناعة خارجية وافدة إلينا»!.. وبعد هذا الاجماع النادر في العراق تتفرق بنا السبل.
بعضهم يقول أنها أمريكية.. وآخر يرد بل هي اسرائيلية.. واحد يقول أنها سعودية والثاني يقول بل هي إيرانية ووصل الأمر، في وسائل إعلام مسؤولة وشخصيات نافذة الى القول أن داعش كذبة ولا وجود لها.. وكثيرون اغمضوا عيونهم وقالوا: أن كانت داعش موجودة فلماذا لانرى جثث قتلاها؟!
حتى القوى التي تقاتل داعش على الأرض اختلفت في تحديد ماهيتها ومرجعيتها!
يحصل هذا ونحن، كما يفترض، المرجع الأساس للعالم في التعريف بهذا التنظيم الإرهابي إعلاميا وفكريا وسياسيا، لكننا لا نجد في مكتبتنا العراقية اية كتب أو دراسات تصلح كمرجع لعربي أو أجنبي.. وما زالت تحليلاتنا تعتمد على كتابات أجنبية من دول بعيدة عن أرض المعركة..
وباختصار، فإننا مثلما صرنا نستورد «الطرشي» الذي هو خيار وماء وملح من الصين (وهي أشياء موجودة عندنا) صرنا نستورد المعرفة بداعش من الخارج في حين أن كل عناصرها متوفرة عندنا: القتلة والأسلحة والجرائم وإعلان داعش عن مكوناتها وأفكارها.
أنا أعتقد أن داعش هي ابنتنا!
ابنة مذاهب ومدارس فكرية في ديننا الإسلامي، وقد شهد تاريخنا القديم ظهورا لها باسماء مختلفة وكلها تستند الى تلك المدارس أو المذاهب.. ولا يغير من هذه الحقيقة التقاء مصالح داعش بمصالح أطراف ودول تدعمها حينا أو تحاربها حينا آخر.. فالأصل هو عندنا!
لكنني في النهاية سأحتفظ برأيي لنفسي حتى لا أتهم بأنني أتفلسف.. فالفلسفة التي هي أرقى اشتغالات العقل البشري تعتبر شتيمة مقذعة في أيامنا هذه، كما اعتبرت كفرا صريحا في تاريخنا.. ورحم الله من جَبّ عن نفسه الشتيمة!.