أصلح الله الأمير

#خليك_بالبيت

د. حسن عبد راضي /

هذه العبارة ترد وروداً جماً في كثير من الأدبيات التاريخية التي تنقل لنا أحداثاً جرت في أروقة مؤسسات السلطة في العهود الغابرة، فهي أشهر عبارة بروتوكولية يقدمها المرء بين يدي أمير أو سلطان أو ملك، دعاء بالإصلاح لمن هو في سُدة السلطة يستبطن دلالات عدة، فهو من الناحية الأدبية دعاء لا شائبة فيه، الداعي فيه هو (المواطن) الذي يسأل المدعوّ الذي هو الله سبحانه وتعالى أن يُصلح الأمير، والإصلاح هنا غير محدد بحيز، بل هو عام يشمل كل الأمور، لكنه من جهة أخرى يعني أن الأمير يحتاج هذا الإصلاح لأنه فاسد، إذ لو كان عادلاً أو نزيها لما احتاج أيا من هذا كله، على أنك لا تجد من يردد هذه العبارة في غير محضر ملك أو وزير، أما من هم دون ذلك فخطابهم عادي كسائر الناس.
ونحن نعيش اليوم في عالم يمور بمن يملكون السلطات، ليسوا أمراء ولا وزراء بالضرورة، قد يكونون موظفين خولتهم وظائفهم أو أعمالهم أن تتعلق حياة الناس بعمل ينجزونه أو بقرارات يتخذونها أو مصالح عامة يقضونها، غير أن ما فشا في الناس من فساد على نحو يؤسف له كثيراً، جعل كل ذي سلطة يبيع ويشتري بما تحت يديه من أمور الناس ومعائشهم، وبما خولته وظيفته من سطوة وقوة قانونية ينجز بها شؤون الخلق، ولا يسري هذا الكلام على الكل طبعاً، لكن على كثير ممن وصفنا، ولولا ذلك لما أُسست كل تلك الهيئات الرقابية التي تنحصر مهامها في ملاحقة الفاسدين ومحاصرة الفساد، على أنها فشلت في أن تنجز تلك المهام جراء الفساد الذي لحق ببعضها، وبإجراءاتها التي صارت عرضة للمساومة والبيع والشراء.
لا يمكن النهوض بهذا البلد من غير اعتراف واضح بأن الفساد جزء من مشكلاته المستعصية التي تحول دون استقراره وتقدمه، وأنا شخصياً أعد الفسادَ الجناحَ المالي للإرهاب، وأرى أنهما يتخادمان على طول الطريق، فكلما اعتقلت القوات الأمنية إرهابيين، تَدَخّل الفساد لتهريبهم أو لإطلاق سراحهم بعفو عام أو خاص، أو للطعن في إجراءات اعتقالهم من الأصل، وفي المقابل فإن الإرهاب يطيل من عمر الفاسدين في مناصبهم ويعطي الذرائع لبقائهم مدة أطول.
وختاماً أقول: أصلح الله كاتبة التذاكر في أي مستشفى، أصلح الله الموظف الموكل بتوزيع الكهرباء، أصلح الله بائع الخضر والفاكهة، أصلح الله أمين الصندوق، وموظف التقاعد، وضابط الجوازات، وسائق الإسعاف، والبوزرجي، ومن يبلط الشوارع، والمواطن الذي يحفر المطبات بعد التبليط بساعتين، ومن يستولي على الرصيف، ومن يقطع الشوارع ….
عذرا فالمساحة المتاحة صفحة واحدة، ويلزمني مائة صفحة لتعداد من أقول لهم بادئاً بنفسي: أصلحكم الله.