التطور، كما هو معروف ، من أهم قوانين الحياة، يتميز بالثبات وعدم التغير، ولذلك لازم البشرية منذ ولادتها وحتى يومنا هذا. وعندما نتحدث عن المراحل التي مر بها الإنسان، وطبيعة كل مرحلة، فإنما نتحدث عن التطور، من حروب السيف والرمح، الى حروب المدافع والقنابل الذرية، ومن حياة الكهوف مع الأفاعي، الى حياة القصور مع الجواري..الخ
لا شيء خارج هذا القانون الأزلي الخالد، المعتقدات والأفكار والسياسة والاقتصاد والتعليم ووسائل الاتصال والتنقل و .. و .. ولا تخرج ألعاب الطفولة عن هذه الحقيقة الكونية، وليس أدل على ذلك من كوننا في العراق – والأمر يجري على المنوال نفسه في بلدان العالم جميعها – نتحدث، أو يتحدث -على وجه الدقة- كبار السنّ منا، عن ألعاب الطفولة في خمسينيات القرن الماضي مثلاً، فهي لم تعد كما أصبحت عليه في السبعينيات و.. ولم تعد كما آلت إليه في الألفية الثالثة..
في طفولتي، التي تعود الى أكثر من ستين سنة، أذكر جيداً أن الأولاد كانت لهم ألعابهم الخاصة بهم، التي تتسم -الى حد كبير- في بعضها بالقوة والخشونة، مثلما كانت للبنات ألعابهن، التي تتسم عادة بالرقة والليونة على غرار لعبة (الدمى أو بيت العروس)، ولعبة (التوكي)، وغيرها. وقد استوقفتني لعبة تدعى (طمة خريزة) تقوم على تهيئة كمية من التراب الناعم، وتتولى البنت التي تدير اللعبة تحريك التراب بيديها حركات رشيقة ومذهلة وتحويله الى أكوام صغيرة، وفي أثناء ذلك تخفي تحت واحد من تلك الأكوام (خرزة)، فإذا استدلتْ عليها البنت الخصم ربحتها، واذا فشلت فعليها أن تدفع خرزة الى البنت التي تدير اللعبة، ويمكن أن تتسع دائرة المشاركات الى بنات عدة. كما لاحظتُ، في بعض المدن العراقية، قيام نساء بعمر المراهقة، أو الشباب، أو متزوجات، يمارسن هذه اللعبة، لكن الربح والخسارة فيها تكون عبر النقود البسيطة جداً، قد تكون فلساً واحداً.. لأغراض التسلية!
اللافت للنظر أن لعبة (طمة خريزة)، التي اختفت تماماً من قائمة الألعاب البناتية، عاودت الظهور من جديد منذ عقدين تقريباً، لكن من يلعبها هذه المرة، هم الكبار من الجنسين، معظمهم سياسيون، والجديد الوحيد الذي أدخلوه على اللعبة هو تغيير اسمها من (طمة خريزة) الى (الطمطمة)، ويراد بها ( طمطم لي وأطمطملك) وليس فينا من يخسر، فكلانا يربح على حساب أولاد الخايبة!!