حسن العاني /
من بين أطنان المفردات التي وصلت على ظهور الدبابات صبيحة التاسع من نيسان، وتم استقبالها بحفاوة حتى من قِبل (أحباب القائد)، مازال تعبير “اللعبة السياسية” على رأس تلك المفردات التي تؤرق معرفتي وتسخر من خزيني اللغوي، وقد حاولت كثيراً البحث عن معنى آخر أو مغاير لهذه اللفظة العربية الجميلة (لعبة)، والتي لا غبار على فصاحتها واستعمالها القاموسي، فلم أوفق ولم أعثر على تفسير أو استعمال يبتعد عن معناها المتداول ووظيفتها المتعارف عليها في لغتنا اليومية والأدبية على حد سواء.
بعد التقلبات الكبيرة التي شهدها العالم في المجالات جميعها، أصبحتِ السياسة –أقولها بفخر- هي علامة العراق الفارقة وعنوانه اللامع، لا شيء يعلو عليها أو يتقدمها بعد أن تراجعت مئات النعوت والمسميات كالوطنية وأرض السواد وبلاد الرافدين وألف ليلة وليلة، وبعد أن نسينا أو أنسونا، قاتلهم الله، أننا الحرف المسماري وأسد بابل والقلعة والعربة الآشورية والزقورة وموطن الأنبياء والأولياء و.. وهكذا احتلت السياسة واجهة الأسماء والأوصاف والأحداث، حتى أن العراقي الذي كان يولد وفي دمائه جينات الكرامة وعزة النفسن صار يأتي الى الدنيا وجيناته سياسية.
هذا الكائن الغريب الوافد في غفلة عن عيون الرقيب وأجهزة التقييس والسيطرة النوعية، بات يأكل معنا ويشرب وينام ويصحو و.. وهو صاحب الأمر والنهي، وطالما تساءلت (إذا كانت السياسة لعبة فكيف تطورت اللعبة وأصبحت سياسة؟!) وأردُّ على سؤالي بسؤال فجائعي (أليست هي الكارثة بعينها حين تقترن اللعبة بالسياسة والسياسة باللعبة، فما كانت اللعبة يوماً إلا بديلة الجد، وقرينة التحايل أو الضحك أو إشغال الطفل، وما كان اللاعب الجيد إلا الذي يحسن فنون المراوغة والتلاعب بالخصم، فأي من هذه التوصيفات يراد بمصطلح “لعبة سياسية”؟
أنا واثق تماماً، أن العيب لا يكمن في المصطلح، بل في قصوري ومحدودية استيعابي، خاصة وأنا رجل مثل معظم العراقيين، بسيط وطيب القلب وحسن النوايا، وبالتالي لا أتقن اصول اللعب واللعبة، خاصة اذا لم تكن تحت ضوء الشمس، ولكن معطيات الواقع تقول إن اللعبة تجري باسمنا نحن “أولاد الخايبة” كما يطلق علينا، وباسمنا نحن الذين يسموننا “المواطنين الكرام”، تقوم التحالفات وتجري المراوغات والاتفاقات وتعقد التكتلات وتُبرم العقود، سواء المكشوفة منها أو غير المكشوفة مما يتداوله السياسيون في إطار الديمقراطية.. وأقنعونا –مستغلين سذاجتنا- بأن اللعبة مادامت في الإطار الديمقراطي فهي حق طبيعي لا غبار عليه وبذلك، كما أوضحوا لنا، فإن كل ما نراه أو نسمع به ولا نراه سليم وصحيح مئة بالمئة مادام يحدث تحت عين الديمقراطية، وتحت غطاء اللعبة السياسية المشروعة. ولعل من غرائب هذه اللعبة، أن الطرف (س) يقبلها ويقول “إنها ضمن السياق الطبيعي”، ويرفضها (ص) لأنها “التفاف” ثم يعود (ص) ليمارسها زاعماً أنها ضمن السياق الطبيعي، في حين يعود (س) لرفضها زاعماً أنها “التفاف”، ومن هنا فإن اللعبة السياسية مثل (الدستور) تماماً، فهي مقبولة وعظيمة عندما تتماشى مع “المصلحة” و”مرفوضة” بخلاف ذلك!!
لو صدق تصوري الفنطازي لهذا المصطلح، فإلى أي حدٍ نُحمِّلُ “الألعاب السياسية” مسؤولية المصائب التي عانى منها البلد، وهل كنا نرى في سماء العراق ألعاباً نارية أم سياسية، وهل..
* أفندي إذا جنابك غبي وجاهل وحمار.. وما قادر تفرق بين اللعبة السياسية ولعبة الزعاطيط.. شكو مورط نفسك؟!
– العفو مولانا.. كل ما في الموضوع حاولت أستثمر الديمقراطية وأطرح كم سؤال مدوخ راسي، وبعدين..
* كافي لغوه!
– صار عمي!
في قلبي قلت له: والله لعبتو بينه لعب.. وهذا أضعف الأيمان.