حسن العاني /
لا أستطيع تحديد اليوم أو الشهر حين أحسستُ بألم مفاجئ في سبابة يدي اليمنى. لم يكن الألم حاداً ولكنه مزعج، لأنه أشبه بالنغزة التي تلدغ أو تقرص من الإصبع ثم تختفي بسرعة، وقد عمدت إلى تدليكه بالماء الدافئ والصابون، وفي الليل استعملتُ “مرهماً” خاصاً وصفه الصيدلي، ولففته بقطعة قماش، وعند الصباح انتهى كل شيء واستعادت سبابتي عافيتها، غير أن الحالة نفسها ما لبثتْ أن عاودتني من جديد بعد مدة قصيرة، وهو الأمر الذي أثار مخاوفي قبل استغرابي، لأن الألم في هذه المرة كان مصحوباً بالاحتقان الأزرق مع شيء من الورم، ولذلك فكرت أن هذه الأعراض يمكن أن يقف وراءها مرض خبيث. وقد عمدتُ إلى العلاج القديم وداومت عليه أربع ليالٍ ولكن من دون جدوى.. ولأن خوفي تحوّل الى رعب حقيقي من أن تكون سبابتي مصابة بالسرطان فعلاً راجعت طبيب المركز الصحي –وهو صديق قديم- ونقلت إليه ظنوني ومخاوفي وشكوكي “القوية” فضحك ضحكة عالية طمأنتني وقال لي ممازحاً: “في العراق لا توجد إلا ثلاثة أنواع من السرطان تصيب الثدي والرحم والمخ، وأنت بفضل الله من دون ثدي ولا رحم ولا مخ” وأعطاني علاجاً من ضمنه زرق ثلاث (إبر) حول مكان الالتهاب، ونجح العلاج فعلاً مع إنه لم يستمر أكثر من عشرة أيام استعدتُ في أثنائها حياتي الطبيعية وتحررتُ من شكوكي المدمرة ونسيتُ الحالة تماماً، إلا أن الألم فاجأني بعد شهرين تقريباً، وكان في هذه المرة شديداً ومصحوباً بزرقة قاتمة تميل إلى السواد مع انتفاخ لافت للنظر، فسارعت إلى صديقي الطبيب الذي طمأنني أيضاً، ووصف لي العلاج القديم ذاته مع مضاعفة عدد (الإبر).. وأنهيتُ دورة العلاج مع الكبسول والإبر والمراهم، ولكن من غير أي تحسن يذكر، لذلك اصطحبني الرجل إلى المستشفى الذي يعمل فيه وأجرى لي عدة فحوصات في مقدمتها مجموعة “تحاليل” للدم، وكانت النتيجة إيجابية والحمد لله، ولكن ما الفائدة وسبابتي اللعينة آخذة بالانتفاخ حتى بدتْ وكأنّها حبلى مقارنةً بأصابعي الأخرى، فيما استحال اللون الأزرق إلى أسود فاحم، على أن الأسوأ من هذه الأعراض، هو أنني بدأتُ أشمُ رائحة مقرفة تصدر عنها، كما لو أنها “تعفنت” أو في طريقها الى التعفن، والمشكلة أنني بعد سلسلة طويلة من المراجعات لعدد كبير من أطباء الجراحة والحساسية لم أتحسن، ولهذا (تعكّرتْ) حياتي وأصابتني الكآبة وفكرتُ بالانتحار، لولا أن المصادفة الحسنة جمعتني بصديق قديم لم ألتق به منذ سنوات، وهو طبيب نفساني أنهى دراسته في السويد، وقد هاله وضعي، وصعبتْ عليه معاناتي، فدعاني إلى عيادته وأخضعني لجلسة (استجواب) حقيقية، وطلب مني أن أكون صادقاً ودقيقاً في إجاباتي، وبعد سيل من الأسئلة أدرك الرجل بأن إصبعي لم يتعرض إلى كدمة أو لدغة دبور أو لسعة حشرة، مثلما اكتشفت عبر الاستجواب، إنني قبل موعد الانتخابات البرلمانية بشهر قبضتُ مبلغ (100) ألف دينار من أحدهم مع وجبة عشاء دسمة مقابل أن أمنحه صوتي في الانتخابات، ولكي يضمن ذلك جعلني أقسم بشرفي وشرف الوطن، ولكنني حين ذهبت إلى المركز وضعت ورقة الاقتراع فارغة في الصندوق، ثم غمست سبابتي بالحبر البنفسجي كدليل أمام الرجل، وغادرت المكان..
تنفس الطبيب الصعداء وأسمعني كلاماً قاسياً بحكم الميانة “القضية وما فيها أنك مارستَ الفساد الأخلاقي حين كذبتَ على الرجل، ومارست الفساد المالي حين أخذت الرشوة، ومارست الفساد السياسي عندما عرضتَ صوتك للبيع.. وعليه لا سبيل أمامك الا بتر السبابة الفاسدة قبل أن يستشري المرض في جسدك وحينها لا يجدي الندم”.. في الحقيقة لم يفجعني كلامه فقط، بل أحرجني كذلك، فأنا أنوي ترشيح نفسي للانتخابات البرلمانية المقبلة، ومن غير اللائق أن يذهب “مرشح” مثلي بدون سبابة ويضطر إلى غمس إصبعه “الوسطاني” في الحبر البنفسجي!!