أيام السينما الصامتة في العراق

عامر بدر حسون/

في السبعينات نشرتُ ريبورتاجا عن دخول السينما للعراق وطريقة الاعلانات المرافقة للفيلم منذ أيام السينما الصامتة الى السينما الناطقة.

وقد استفدت من رحلة جمع المعلومات وزرت جميع دور السينما القديمة والتقيت بأغلب اصحابها والعاملين فيها، خاصة القدامى منهم.. إذ لم اجد يومها مصدرا مكتوبا ارجع اليه في كتابة تحقيقي، وبالطبع لا انترنيت ولا غوغل الذي يضع بين يديك اطنانا من المعلومات بكبسة زر واحدة.

وكانت الفائدة الاضافية التي جنيتها وانا ابحث عن السينما هي معرفة المجتمع البغدادي وتطوره او تدهوره خلال تلك السنوات.

إذ لا شيء بتقديري يعكس مستوى التقلبات في العراق مثل تقلب حال السينما فيه. فقد انتعشت السينما مع بداية تأسيس الدولة العراقية في عشرينات القرن الماضي وتدهورت بتدهور الدولة المدنية فيها.

***

ولإغراء القارئ بالمتابعة اذكر له هنا بعض الطرائف: كان بعض دور السينما خلطة عجيبة من المطعم والمقهى وحتى البار، وهي اختصرت فيما بعد بالباعة الجوالين.. وكان الذهاب للسينما هو ذهاب لحضور حفل راق بمعنى الكلمة.

وفي فترة السينما الصامتة كانت سينما الوطني مشهورة بتقاليدها اللطيفة ومنها وجود عازف بيانو (هندي في الغالب) تحت شاشة السينما مباشرة.. وهو يقوم بالعزف وفق ايقاع احداث الفيلم، فهو يعزف رومانس عندما يكون المشهد رومانسيا ويعزف سريعا عندما تكون هناك مطاردة والخ.. ولم يكن يرتجل معزوفاته وانما يقرأ من نوتة تأتي مع الفيلم من الشركة المنتجة!

وفي كل دار سينما هناك عامل (يسمى في مصر “المفهّماتي” ولم اعرف له اسما في بغداد) يقف الى جانب الشاشة بشكل واضح او مختبئ ويتولى شرح الفيلم بطريقة لطيفة ومشوقة.. ويقرأ الحوار الذي يظهر مكتوبا على الشاشة او بجانبها بعد ان يترجمه للّهجة البغدادية.

وعلى الطريقة العراقية كان “المفهماتي” يظهر امام الجمهور كي يطمئنه على مصير بطلة الفيلم التي اختطفها الشرير! اذ كان الجمهور، وعلى طريقتنا السائدة حتى اليوم، يوجه لعناته للشرير ويرمي الشاشة بما تحت يديه من وسائل “الدفاع عن الحق”! فكان عباس، وهو مفهماتي سينما الوطني، يقول للجمهور ان يهدأوا ويطمئنوا لأن البطل سينقذها لوحده ولا داعي لرمي الشاشة دفاعا عن البنت!

***
وفي مجال الاعلان عن الافلام تفننت دور السينما في فن الاعلان حتى وصل الامر يوم عرض فيلم “الفرسان الثلاثة” ان صعد في عربة يجرها حصان ثلاثة فرسان بملابس شخصيات الفيلم وبيدهم السيوف وكانوا يتبارزون فيما العربة تسير في شارع الرشيد وغيره وسط اعلان أحدهم ان هذه المغامرات التي تتم في العربة هي جزء بسيط من احداث فيلم الفرسان الثلاثة!

وانتهى الأمر بوسائل الدعاية التي شاهدتها وكثير من أبناء جيلي الى الاكتفاء بحمل ملصق الفيلم على خشبة من قبل شخص او اكثر والتجوال به في الشوارع ودعوة الناس لمشاهدته.

***
ولعل أهم ما في السينما هو قدرتها على جمع الناس أفرادا وأصدقاء وعائلات ومنحهم فرصة المشاركة في متابعة احداث الفيلم والخضوع لطقوسه الممتعة.

ويكاد العراق اليوم يكون البلد الوحيد الذي لا توجد فيه دور سينما.. فهل ثمة من علاقة بين تدهور اوضاع العراق في العقود الماضية وغياب السينما؟

لا ادري.. ربما تسعفني الذاكرة و”المذاكرة” في تقديم صورة اشمل مستقبلا عن تلك الايام.