أين نحن؟

#خليك_بالبيت

يوسف المحمداوي /

– أين نحن؟
– في القاع
– جيد، على الأقل لن نسقط مرة ثانية !”
قالها الروائي الروسي دوستويفسكي ومضى لكنها بقيت كتعويذة أو أنشودة صبر مفروض ولا بدّ منه في عقول وقلوب الشعوب المغلوبة على أمرها، ونحن كشعب ما أحوجنا لمثل تلك التعاويذ على الرغم من امتلاكنا للعشرات منها، وعلى سبيل المثال لا الحصر حين تصيبنا مصيبة نردّد وبلا وعي “رب ضارة نافعة”، ونستنجد بالخالق عز وجل ونقول: “الحمد لله على كل حال” أو “الصبر مفتاح الفرج”، رغم أنّ قلوبنا التي أدمنت الخيبات والانكسارات لم تعد لها القدرة على الصبر، الأزمات التي مرّ بها شعبنا لايمكن لأي أرشيف أن يستوعبها وفصول دمارنا تحتاج إلى ذاكرة رقمية لتدوينها، وسنورد خيبة نعدّها من أهون الأزمات، متجنبين الخوض في الكبار منها، لأنَّ الجرح عميق ومتّسع ولا نظنه يستوعب مآسينا الكبيرة سابقاً ولاحقاً، وما دعاني إلى ذكرها هي مقالة للقائد الفرنسي بونابرت يقول فيها :”أنا محاط بمجموعة من الكهنة كل!هم يرددون باستمرار بأن الدنيا ليست دارهم، ومع ذلك يضعون أيديهم على كل شيء يستطيعون الوصول إليه”، وهذا ما نشاهده اليوم عند بعض الساسة الذين حكموا البلد في حقبة ما بعد التغيير؛ فأقوالهم تجانب أفعالهم تماما، فهم يقولون نحن نخشى الله ورسوله ونعشق آل بيته عليهم السلام وإنّ الدنيا دار سفر والآخرة هي المقر، لكن سلوكهم عكس ذلك جملة وتفصيلاً أمام أعين المواطن البسيط.
وشاهدُنا في ذلك الذي يضعنا في دائرة الاستغراب هو مسلسل الفضائح والاخبار الصادمة التي ترد إلينا باتهام بعضهم للبعض الآخر عن الوزير الفلاني الهارب بالمال العام والآخر القاتل، والبرلماني المتّهم بالإرهاب والمحافظ الأمي الذي يهمّش طلب مقابلته بمقولته الشهيرة (يراجعني باجر) ! أو السياسي الذي يمثّل الكتلة الفلانية الذي يكتب غداً وشكراً بالنون!، والقائد الفلاني الذي كان السبب في سقوط المدن العراقية بيد الدواعش يتباهى بإنجازاته من غير محاسبة، ومواطن يختفي، ومتظاهر يقتل ولم تكشف هوية القاتل، والمصيبة أغلبها تسجّل في خانة “عفا الله عما سلف” وكأنّنا نعيش في غابة.
لذا فمن غير المستغرب أن تجد البلد وهو في نهاية العام السابع عشر ما بعد التغيير يزخر بحشود العاطلين عن العمل أسوة بالكهرباء ومعاملنا المعطّلة!، وأوبئة ما أنزل الله بها من سلطان وآخرها كورونا وضحاياها، وشوارع أضحت مأوىً للحفر والمطبات، ومدن خربة، وبعض الساسة لا يزالون متشبّثين بنفس النهج الذي أوصلنا لهذا القاع المظلم، فأي قاع أظلم من هذا ننتظر يا دوستويفسكي؟