جمعة اللامي /
فَرشَ غريب المتروك، بين يدي، ملفاً صغيراً استنسخ صفحاته الأربع من موقع على الشبكة العالمية، وقال: اقرأ. بعدما فرغت من قراءة “المقال – الملف”، وكان بعنوان: ” قصة سعدي يوسف.. الشيوعي الأخير”، بقلم أحد أقرب رفاقه السابقين، قلت لغريب:
ــ “ليتك لم تخبرني بخبر هذا المقال”.
” لو أتيح لي أن أحكم، لبدأت بإصلاح اللغة”
(كونفوشيوس)
لا أريد أن أحرج أحداً، حين أشير إلى قراء يخجلون من ثقافة السبّ والشتم على امتداد سيرتهم في حياتهم. ويوجد غير هؤلاء من استعاد وعيه، ولو في زمن متأخر، وأخذ ينظر إلى ذاته، كما إلى غيره، من زاوية المراجعة والمحاسبة، أو من فوق رابية يرى منها أضلع الهرم كلها، وليس ضلعاً واحداً فقط!
قبل عقود كان كثير من زملائنا وأصدقائنا لا يرون سوى وجوههم في مرايا بيوتهم ونواديهم على تعدد مسمياتها وأهدافها. وكانوا إذا ما سبحوا في مياه دجلة، أو الفولغا، أو الكنغ، ظنوا أنهم الماء والهواء واليابسة والنار، وباقي الناس أصفار غير قابلة للتدوير، وأساتذة هؤلاء أصنام سبق أن دعا فردريك نيتشه إلى تحطيمها!
وتلك – لعمرك، ثقافة كانت مهيأة للزوال، حتى عندما كانت الأناشيد الحماسية والرايات ترفع في أروقة “منظمة حرية الثقافة”، واجتماعات فرق عمل “المجلات” التي كانت تصدر بتمويل من “المخابرات الأمريكية” مثل “حوار”، كما فضحت ذلك الكاتبة البريطانية (فرانسيس ستونر سوندرز) في كتابها الوثائقي: “من الذي دفع للزمار؟ الحرب الباردة الثقافية”.
كتب سعدي يوسف، مستخدماً لغة قاسية ونابية ضد زملائه وأصدقائه، باتت معروفة لجميع الغيارى على الثقافة العراقية، وهو بذلك عكس موقفاً ستالينياً في الثقافة والحياة. وردّ عليه كثير من رفاقه وأصدقائه بطريقة قاسية ولغة أقسى، فعيّروه بأوصاف ومواقف على الملأ. وهنا حدث ما لا يمكن أن تحمد عقباه : أي الردّ بالسبّ والشتم والنميمة.
وعندما يرتكب مثقفون أصحاب تجربة مثل هذه السقطات، تنتقل الإساءة إلى الوطن، على اعتبار أن المثقف هو صورة الوطن، بينما بقي المثقفون، الذين كان يتوجه إليهم الحكيم كونفوشيوس، في مناطق الإبداع الحقيقية، يراقبون أسماءً تسقط من ذراها، ونتاجات أدبية وثقافية استمرت على صدئها، حتى وإن تلبست بأردية الثقافة الغربية الاستهلاكية.