عبد الله صخي/
أحسب أننا أمة تهوى الإعدام، ليس إعدام الأفراد فقط بل إعدام الكتب بسبب اختلاف الموقف السياسي أو الديني في الغالب. فعندما لا تتوافق أفكار الدولة مع أفكار مواطنها (السياسي، المفكر، الشاعر، الكاتب، العالم، الفنان) لا تحاوره ولا تحترم وجهة نظره إنما تعتقله وتعدمه، لأنها تعتبره خطراً لابد من إبادته. وإذا أبدت هذه الدولة نوعاً من العطف والرأفة تلجأ إلى وسيلة لا تقل بشاعة عن إعدام المواطن هي حرق كتبه وآثاره.
الأمر لا يقتصر هنا على الدول العربية عبر مسيرتها خلال القرنين الماضيين إنما يشمل الدولة الأوروبية والآسيوية. أبرز الشواهد على ذلك إحراق كتب ابن رشد بقرار من المنصور بذريعة أنها مليئة بأفكار تدعو إلى الكفر والإلحاد.
وقد ذهب بعضهم إلى تبني فكرة أن حرق الكتب المخالفة في التراث العربي والإسلامي أولى من «إتلاف آلات اللهو وآنية الخمر». في مصر عام 2015، وفي مدرسة فضل بالجيزة، أحرق العديد من الكتب بينها الكتاب الشهير «الإسلام وأصول الحكم» لعلي عبد الرازق. وحسب بيان للتربية والتعليم المصرية فإن «التعليمات الأمنية تقضي بإعدام الكتب الخارجة عن المألوف وليس فرمها، ومن هنا كان اللجوء لحرق الكتب المضبوطة بعد التأكد من مخالفة مضمونها لمبادئ الإسلام المعتدل».
وعلى مستوى العالم يأتي الشاهد البارز من الصين حيث أحرقت ملايين الكتب من عصر الأباطرة حتى ثورة ماو تسي تونغ الثقافية في الستينات من القرن الماضي.
وفي المانيا في العاشر من أيار/ مايو1933، أي بعد خمسة أشهر على انتخاب أدولف هتلر حاكماً، وفي ساحة أنتر دن ليندن المقابلة لجامعة برلين، جمع الطلبة النازيون آلاف الكتب في أكوام وأضرموا فيها النيران. وبحسب التقديرات فإن عدد الكتب التي أحرقت بلغ نحو خمسة وعشرين ألف كتاب فيما أنقذت الأمطار آلافا أخرى، وذلك بحجة عدم تطابقها مع الروح القومية الألمانية. ومن الكتب التي اتلفت كتب هاينريش مان، واريك ماريا ريمارك. وفي بلدنا، وخلال الفترة القريبة الماضية، انطلقت دعوات من مواطنين لحرق كتب من يختلفون معهم في الموقف الفكري أو السياسي. أعتقد أننا هنا نقتفي أثر الأنظمة الاستبدادية عبر التاريخ في وقت نسعى لبناء نظام ديمقراطي تعددي. إن حرق كتب مؤلف أو شاعر أو مفكر هو إعدام للنشاط العقلي والمعرفي التنويري في جوهره، وهو إعدام للتاريخ وتغييب لشاهد على حقبة تاريخية من المنجز الثقافي والحضاري.
في عام 1812 كتب الشاعر الألماني هاينرش هاينه يقول: «إذا أُحرِقتْ الكتب فسينتهي الأمر بحرق البشر.»