إهمال إرثنا الحضاري

يوسف المحمداوي /

اندهشت وفي ذات الوقت فرحت جدَّاً وأنا أرى إحدى محطات المترو في باريس باسم “بابلون” تيمّنا بحضارة بابل، وكانت فرحتي أكبر وأنا أرى ثلاث قاعات مخصّصة لآثارنا في متحف اللوفر، وشدّ ذهولي أكثر وبسعادة لا توصف وأنا أرى الحشود السوداء والبيضاء والشرقية والغربية من مختلف الأقوام والأديان وهم يحيطون رموز آثارنا باهتمام لا يوصف، فتلك المجموعة تسارع لالتقاط الصور مع مسلة حمورابي، وهذه مرشدة سياحية اتخذت من نصب الملك كوديا مادة شرح رئيسة للمجموعة السياحية التي تقودها، وأنا وسط ذلك العرس الرافديني الذي تمنيتُ أن لا ينتهي وسط مدينة النور التفت القلب صوب عاصمتي بغداد الحبيبة لأفتّش في شوارعها وساحاتها ومسمّيات محلاتها عن هذا الإرث الحضاري الذي تتباهى به أغلب دول العالم فما وجدت غير الخيبة التي أصابتني بالحيرة والحسرة، بعد أن وجدت أنّ المسمّيات القومية العربية هي السائدة والحاكمة في أغلب شوارع ومحلات وساحات العاصمة، في الوقت الذي لا نجد لرموزنا القديمة أو الحديثة غير وجود مخجل لا يرقى إلى قيمة ذلك الكنز الحضاري.
ساحة عنتر بن شداد ونصبه وسط مدينة الاعظمية، ولا أدري ما علاقة ذلك السيّاف بمدينة أنجبت لنا العديد من الرموز وفي جميع روافد المعرفة، ألا يحق لنا أن نقول أن تكون تلك الساحة باسم بنت الأعظمية نزيهة الدليمي التي تعد أول وزيرة في الشرق الأوسط حين اختارها الزعيم عبد الكريم قاسم ضمن فريق حكومته، الا يحقّ لنا أن نسمّيها باسم الشهيد عثمان العبيدي مع نصب له وهو الذي جاد بالنفس من أجل إنقاذ غرقى فاجعة جسر الائمة.
لنترك عنتراً لعبلته ونستعرض بعض البعض من المسمّيات التي تزخر بها العاصمة؛ “شارع فلسطين في الرصافة يقابله شارع حيفا بالكرخ، شارع المغرب وفيه قاعة الرباط”، أما الساحات فحدّث ولا حرج منها “عدن، ميسلون، بيروت، عنتر، تقاطع دمشق، جمال عبد الناصر”، ثم تأتي المحلات ومنها “تونس، القاهرة، جميلة، تيمّنا بالجزائرية جميلة بو حيرد، الجزائر، منطقة مسقط من ضمن مدينة الحسينية، وقرية قطر الملاصقة للراشدية، الخنساء”.
ونحتاج إلى أكثر من مقال اذا ما أضفنا الأسماء العربية في المحافظات وبتجاهل واضح من قبل المعنيين بتلك التسميات لرموز ومبدعي العراق حديثاً وقديماً، وما أكثرها وأثمرها ومنها “حمورابي، سنحاريب، كوديا، كلكامش، انكيدو، ميشا، اشنونا، بابل، آشور، أكد، الوركاء، إنليل”، وفي العصر الحديث من أسياد النهضة العراقية “علي الوردي، أحمد سوسة، طه باقر، جواد سليم، انستاس الكرملي، المندائي عبد الجبار عبد الله، عبد الله كوران، فضولي البغدادي، زها حديد، ساسون حسقيل”، والقائمة تطول ومعها معاناتنا في ظل غياب مسميات إرثنا الحضاري.