جمعة اللامي /
سُئل الرئيس الأميركي إبراهام لنكولين عن أعظم كتاب قرأه فقال: أمي. ولو سألني سائل ما عن أعظم ما سأكتبه، فإنني سوف أجيبه بجواب واضح وصريح ومفهوم، هكذا “انتظر قليلاً يا فتى”!
لا تعجل عزيزي القارئ، في معرفة جوابي على ذلك السؤال، لأني أبغي أن أحدثك في شأن العنوان الذي اتخذته رأساً، أو نوراً لهذه المقالة، وذاك سيكون من صميم جوابي على سؤالك، فكما تعرف، يكون الرأس بالنسبة إلى جسم الإنسان، الفنار والمنارة وذروة الجبل، والنجم الذي يرقى إلى “لامنتهى”.
وكانت حديقة “اتحاد الأدباء العراقيين” في “ساحة الأندلس” ذات سنوات، لاسيما ما بين 1969 – 1979، فضاءً لزمن عراقي مختلف، حيث تحوّل الاتحاد إلى مائدة عائلية، يتوزعها رجال ونساء وأولاد، تغمرهم السعادة، وتحيط بهم مواقف نبيلة، رغم “قرصات” لا مسؤولة من هنا ومن هناك.
وكان صديقنا الراحل الدكتور مجيد بكتاش حالة خاصة في ذلك الفضاء الأدبي، إذ كان يمثل مع ابنته، التي سنرمز لها بحرف (ك) أنموذجاً في الصداقة بين الأب وابنته، لاسيما وانه انفصل عن زوجته الروسية الجنسية، لذلك كانت (ك) الصديقة والأم وربة البيت.
كان الدكتور مجيد بكتاش راقصاً ماهراً، وكانت الآنسة (ك) تَبزّه في مهارة رقصها، بل تتفوق عليه في مهارات عديدة، لعل أبرزها تلك التي تتخذ موضوعاتها الإنسانية والأخلاقية من التراجيديات الكبرى في الفن العالمي.
وكنتُ أحلم في أن أتخذ لي صديقاً، كما الدكتور مجيد بكتاش، من سلالتنا العائلية، فهذا أمر نادر في بيئتنا، ولقد بذلت جهداً كبيراً في ذلك، حتى إنني اقتربت من عوائل كثيرة، ومجموعات بشرية كثر، لأكتسب ذلك الشرف في أن أكون صديقاً لفتاة تكون بمثابة ابنتي.
ولم يتحقق ذلك لي، إلا منذ خمس عشرة سنة، حين جمعت ابنتي الوحيدة ما بين الصداقة والبنوّة، وما بين الأخوّة والصداقة، وتلك لعمرك، غاية الأمنيات.
ولو طرح أحدهم الآن عليّ السؤال الموجّه إلى إبراهام لينكولن، لأجبته فوراً:
ــ “ابنتي”.