اقتلوا الجهلَ قبل الفقر

جواد غلوم/

يقال في أمثالنا وأقوال حكمائنا «لو كان الفقر رجلاً لقتلته» اعتقاداً يكاد يكون راسخاً بأن الفقر مصدر رئيس من مصادر الكوارث والجرائم المجتمعية ومبعث كلّ شرّ يصيبنا إذا داهمَ المرءَ العوزُ الشديد أو مايسمى شيوعاً «الفقر المدقع» ونتيجة حتمية لما يسبب للإنسان من انحراف عن سواء السبيل وربما يفقد الإنسان سمو أخلاقه وينحرف بها الى جادّة الخطأ وتتدنى قيمته الأخلاقية وطبائعه الإنسانية الراقية بسبب العوز والحاجة.

لكننا ننسى أن الجهل وتدنِّي العقل وانحطاط الفكر قد تكون أكثر سوءاً من الفقر نتيجة ما نراه اليوم من بلايا سود ومشاكل جمّة سببها الجهل لنا، وقد لا أغالي لو جزمت بأن الجهل أصل الشرور وهو من يخلّف لنا العمى العقلي وفقدان البصيرة، وكم من عقول نيّرة ومبدعة لاتدخل إليها الجهالة جهدت لتبني أوطاناً راقية منتجة مع أن تلك الأوطان تفتقد الكثير من خيرات الأرض؛ سطحها وباطنها ولاتملك من نعيم الدنيا سوى عقول أبنائها.

في مجتمعنا الغارق بكل مناقع الجهالة المعرّشة في العقول ترى العجب العجاب من مظاهر السلوك غير السويّ، فإذا اجتمع الجهل مع الفهم السيئ للدين بما يمثله من طائفية ضيقة ونرجسية المعتقد وكراهية تصل الى حدّ العنف وشيوع المرويّات والانقياد الأعمى للأفكار السلفية من دون تمحيص سيكون الناتج إرهاباً.

ولو اجتمع الجهل مع الحرية المنفلتة وارتخاء القانون وغياب العقاب سيكون الناتج فوضى عارمة.

وإذا اجتمع مع سلطة منتفعة ضيقة الأفق ولا تصغي للمعارضة الشريفة سيكون الناتج استبداداً.

اما إذا اجتمع خرتيت الجهل مع الثراء المفرط فسيكون الناتج فساداً طاغياً.

وأخيراً لو اجتمع الجهل والفقر معاً ،وهما الشرّان المستطيران، واقترنا قراناً كاثوليكياً فلن يلدا من صلبهما إلاّ إجراماً متمثلا في اتساع أنواع القتل والسرقات بكل أشكالها وغرائبياتها، ويكون الوطن ضحية كمّاشات الإرهاب والفساد والفوضى والاستبداد مجتمعِين لتمزيق نسيج المواطنة الذي يكسونا ويجملنا كلنا.

لايلام الفقر وحده فهو نتيجة لا سبب، وكم من فقير عاقل مهذّب التربية عفّ نفسه عن الولوج في مسالك الشرور وبقي نزيهاً عمّا يلوّث نفسه واكتفى بالقليل مما يسدّ رمقه وكسا نفسه بجلبابه الوحيد ستراً ولم تبهره رقرقة الأوراق الخضر ولا دندنة الأصفر الرنّان وظلّ منطوياً على نفسه تردعه تربيته وهيبة عقله وأخلاقه السامية وضميره النقيّ عن الخوض في مناقع الآثام والموبقات والسفالة.
وأمام هذه البلايا والرزايا كان حقّاً علينا أن نقول: لو كان الجهل رجلاً لقتلْته.