جمعة اللامي
” الفار من الاستشهاد، فار من الخلود”
(الشاعر الألماني: تشيلر)
كثيرون يدّعون البطولة، وهم ليسوا أبطالاً. وشهد التاريخ للشهداء الذين أقبلوا على اختبار الشهادة، وليس معهم سلاح، سوى حبّ أوطانهم، فلم تبكهم أزواجهم، ولا فلذات أكبادهم، ولا أصحابهم، إذ الشهيد يعيش يوم ممتاته. أليس هو الذي قال الشاعر فيه:
لا تبكِهِ فاليوم بدءُ حياته
إِنَّ الأَديب حياته بمماته
وفي يوم النشور العظيم، يوزن مداد العلماء بدم الشهيد، كما يؤكد الأثر العربي المأثور. والبطولة امتداد ينتهي بالشهادة، لأنها أساس الفضيلة. ولا تذهب دماء الشهداء هدراً. وهذا دفتر الشهداء بين يديك – يا أخي – فقلّب صفحاته، ثم انظر إلى أولئك البشر الذين من أهل البشرة السوداء أو البيضاء أو الصفراء، ستجد أن قلوبهم واحدة، وأن خُلُقهم واحد، وأن الناس تغنّي لواحد منهم، بينما المقصود الجميع.
والشهيد لا يسعه القبر. والشهيد يرفض التخفي داخل رداء، أو كهف، أو جحر. الشهيد تدعوه الجنة إليها، وتتمنى أن تكون ملاذه الأخير. ولعل هذا هو ما عبر عنه الحكيم الهندي رابندات طاغور، حين قال: “ترى.. أتذهب دماء الشهداء، ودموع الأمهات.. هدراً؟ ألا تُشترى بها الجنة؟”
ولا بطل بطلاً، إلا حين يختار الإنسان فعل البطولة ويتقبل نتائجها. والموت هو الذي يكشف معادن الأبطال. وبئست البلاد التي تخلو من الأبطال. والبطل هو الذي يحارب في الميادين جميعها، ولا ينتصر إلا عندما يعرف إنه انتصر على نفسه، بتعبير نابليون.
فأين من هؤلاء، أولئك المذعورون الخائفون المرتجفون الذين يرتدون أردية البطولة، وهم يخافون من التحديق في عيون الشهيد؟ وأين من هؤلاء الكماة، من تعلموا فنون الطغيان، وأجادوا حرفة القتل والإرهاب، ليُحسبوا على صفوف المناضلين والمجاهدين والأسرى؟
يريد أصحاب (ثقافة التضليل) في أوساطنا العربية أن يجعلوا من الجبان شجاعاً، ومن الخائن بطلاً، ومن المستسلم محرراً، ومن الجرذ أسداً، ومن الزنيم كميّاً!
يا سبحان الله العظيم.
بعض كبار المسؤولين العرب، خسروا “الأرض” و “الشعب” معاً، فكانت هزيمتهم مضاعفة، ورحم الله ابن الرومي حين قال:
ولي وطنٌ آليت ألا أبيعَهُ
وألا أرى غيري له الدهرَ مالكا