عبد الحليم الرهيمي/
عندما كنت لاجئاً – أو كنت مقيماً في بيروت – منتصف سبعينات القرن الماضي، حيث وضعت الحرب الأهلية أوزارها، فصلها الأول الذي بدأ في 13 نيسان من العام 1973 تعرفت على صديق لبناني كان قد عاد لتوه من موسكو بعد أن انهى دورة إعلامية لشهور قضاها هناك. سألته عن مشاهداته وانطباعاته خلال تلك الفترة فأجاب: كثيرة، لكن واحداً من تلك الانطباعات علق في ذهني وأظن أنه يهمك وتحرص على سماعه كما اعتقد ثم قال: بينما كنا مجموعة من الطلاب العرب، سوري ومصري وتونسي وأنا، متوجهين نحو مكان اقامتنا بعد أن شهدنا عرضاً جميلاً للسيرك الروسي مررنا، وكان الوقت قد تجاوز منتصف الليل بالقرب من جامعة موسكو، وهي جامعة عريقة تأسست عام 1775 وبنيت على تلال ومساحة تبلغ نحو مليون متر مربع استوعبت نحو 38 بناية – برج، خصص عدد من هذه البنايات لسكن الطلاب، وقد سميت الجامعة عام 1940 باسم الشاعر الروسي البطل، كما يسميه الروس، ليرمنتوف (1814-1841). وإذ اعتاد الروس على النوم المبكر استعداداً ليوم تال للعمل، حيث يندر أن تجد بيوتاً وغرفاً مضاءة بعد منتصف الليل. لكننا ونحن نسير بالقرب من بيوت السكن الجامعية، اضاف صديقنا اللبناني قائلاً: شهدنا غرفة واحدة مضاءة بينما بقية الغرف مطفئة ولا يوجد حولها سوى أضواء خافتة في شرفاتها. وهنا سأل أحد أفراد المجموعة من يكون يا ترى في تلك الغرفة المضاءة؟ قال واحد منا: يحتمل أن يكون روسياً يحتسي (الفودكا) المشروب المفضل لدى الروس. أما الاحتمال الثاني قال واحد آخر منا، ربما يكون في الغرفة المضاءة طلبة فيتناميون، حيث خرجت فيتنام لتوها من حرب مدمرة ضد القوات الأميركية ويسعى طلبتها الى الدراسة والتفوق بسرعة كي يعودوا لبناء بلدهم الذي دمرته الحرب. أما الاحتمال الثالث، قال أحد أفراد المجموعة فقد تكون الغرفة المضاءة لعراقيين يتحدثون بالسياسة. ما أعاد هذا الانطباع لصديقنا اللبناني العائد من موسكو الى ذاكرتي الآن هو ما نشرته أحدى الصحف البغدادية قبل أيام عن اطلاق مبادرة (أنا عراقي، أنا اقرأ) في العاصمة السويدية ستوكهولم بمشاركة عربية سويدية، وهي مبادرة قد تمتد الى عواصم أوروبية أخرى، بعد أن اطلقت في أميركا وكندا، وذلك استمراراً وتقليداً لأصل المبادرة التي انطلقت في بغداد منذ أكثر من عام في حدائق أبي نواس.
وبرغم أن المقولة السائدة عن كون العراقي يقرأ يؤكدها القول (أن مصر تكتب ولبنان يطبع والعراق يقرأ).. فأن تبدل مضمون هذه المقولة وتعديلها يقوم العراق بكل ذلك، فأن هذا يوجب علينا أن نعدل أيضاً (الاحتمال الثالث) الذي تحدث عنه صديقنا اللبناني ليصبح: (العراقي يقرأ.. ويتحدث بالسياسة) أيضاً!.