حليم سلمان/
في نهاية السبعينيات، كنت طالباً “مجتهدا” في مدرسة “الديوانية” الابتدائية، ثم انتقلت في الصف الرابع إلى مدرسة “المناهل” في المدينة ذاتها، وكانت المدرستان متجاورتين، لكن ساحة الرياضة في تلك المدرسة كانت (صبخة)، إذ لم تزرع فيها ولو شجرة واحدة حتى يومنا هذا. وبرغم هذا فقد نجحت هذه المدرسة البسيطة في دفع أبناء المدينة نحو دراسة الطب والهندسة والعلوم الإنسانية والقانون والفنون، وحتى الدراسات العسكرية..
ذات يوم، صباحاً، قال معلمنا: “اليوم، سنوزع عليكم وجبة (التغذية المدرسية)”، صفقنا وفرحنا وسررنا، وبالفعل وقفنا صفاً طويلاً متشوقين لمعرفة محتوى هذه الوجبة الغذائية. وعند دخولنا وجدنا طاولة كبيرة وضعت عليها بضعة صناديق، تبين فيما بعد أنها تحتوي على التفاح بنوعيه الأحمر والأصفر، ومنحنا المعلمون حرية الاختيار بين التفاحة الحمراء أو الصفراء، وأتذكر أنني في وقتها أعجبتني (الحمرة)..
لكننا بعد فترة من ذلك اليوم أصبنا بالإحباط حين فقدنا ذلك التقليد الجميل، فقد اختفت (التغذية المدرسية)، ولم يتحقق الأمل لنا كأطفال في أوانها، أن نحصل على وجبة طعام صحية أثناء الدوام في استراحة ما بين الدروس.
شاهد الكلام.. أن أطفال العراق يستحقون نظام “التغذية المدرسية”، التي يفترض أن تحتوي الوجبة الواحدة منها على العناصر الغذائية الأساسية، مثل الفيتامينات والمعادن والبروتين والألياف، لكي تدعم نمو الأطفال، ولاسيما أبناء الطبقات الكادحة، وتطورهم، وتعزز تركيزهم ووظائفهم الإدراكية، وتساعدهم في الحفاظ على وزن صحي، ذلك أن التغذية السليمة تسهم في أداء تعليمي أفضل.
في العراق، يجري تنفيذ مشروع “التغذية المدرسية” بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إذ تقوم وزارة التخطيط بتحديد الرقع الجغرافية وعدد المدارس الكلي. وحسب بيانات وزارة التربية، فإن نحو 1248 مدرسة تتوزع بين عدد من الأقضية والنواحي الأشد فقراً في محافظات العراق المختلفة، قد شملها البرنامج. وقياساً بعدد المدارس في العراق، فإن هذا العدد المشمول يعد قليلاً، ولا يلبي الطموح، وربما يتوقف المشروع، إذا عجز برنامج الأغذية عن (التمويل) و (الإشراف)، وحينذاك نرجع إلى نقطة البداية. صحيح أن وزارة التربية تتحدث بشغف عن البرنامج، لكنها بطبيعة الحال لم تقم بتوسعة المشروع ليشمل غالبية المدارس الحكومية في البلاد، لكي يساعد في بناء مستقبل أكثر إشراقاً لأطفالنا، كذلك لابد من توفير وتدريب الكوادر المشرفة التي تقوم بتوريد وإنتاج وتوزيع الوجبات الطازجة على التلاميذ، (عمال مدربون يعملون في مطعم كل مدرسة).
وحسب الخبراء، فإن “التغذية المدرسية” تسهم بشكل كبير في بناء جيل صحي ومتعلم، ما ينعكس إيجابياً على المجتمع بأكمله، فضلاً عن إلزام المشرفين على البرنامج بشراء جميع المواد الغذائية من موردين محليين ومخابز محلية، وأسواق الفاكهة، وذلك لخلق حالة من التفاعل لدى التلاميذ للتعرف على مصدر طعامهم، وكيفية زراعته أو إنتاجه.
كذلك فإن هذا البرنامج سوف يسهم في دعم المزارعين والمنتجين المحليين، وتشجيع أصحاب الأعمال الصغيرة في تسويق منتجاتهم وإيجاد المئات من فرص “كسب الرزق” في المناطق التي يعمل فيها البرنامج، كما أنه ينعش النظم الغذائية المحلية.
بالتالي، يمكن القول إن “التغذية المدرسية” تسهم في تحقيق العدالة، وتدعم بشكل غير مباشر الأسر ذات الدخل المحدود، وتقلل الفوارق الطبقية بين الطلاب.