#خليك_بالبيت
د. حسن عبد راضي /
من يقرأ تقرير «التنمية البشرية» لعام 2012 الصادر عن “منظمة اليونسكو” وقبله تقرير التنمية الثقافية لعام 2011 الصادر عن “مؤسسة الفكر العربي” سيشعر بحزن وإحباط شديدين لما تضمنه هذا التقريران (على سبيل المثال لا الحصر) من أرقام تشي بوضوح بحجم كارثة الأمية الثقافية في العالم العربي، إذ يرد فيهما -مثلاً- أن كل 80 مواطناً عربياً يقرأون -مجتمعين- كتاباً واحداً في السنة، بإزاء معدل قراءة يبلغ 35 كتاباً في السنة للمواطن الأوروبي، وهذا يقود إلى نتيجة أخرى مرعبة مشتقة من هذه، وهي أن معدل قراءة المواطن العربي يبلغ 6 دقائق سنويا، بإزاء 200 ساعة لنظيره الأوروبي.
ولئن تجاوزنا كل تلك البيانات والأرقام المحزنة عن أمة (إقرأ) فإن إحصائية أخرى قد تعطينا تصوراً دقيقاً عن حجم الانكفاء الثقافي والنكوص الحضاري الذي نعيشه وسط عالم يلتهم الكتب والثقافة والمعرفة التهاماً، تفيد بأن النسخ المطبوعة من كل كتاب عربي تقارب 1000 أو 2000 بينما تبلغ في أميركا 50 ألف نسخة، الأمر الذي يدعونا إلى التفكر ببساطة: كيف يمكن لكاتب عربي أن يعيش من الكتابة وكل كتاب لا يُطبع منه إلا هذا العدد الضئيل، ومن المحال التفكير بأن الـ(1000) كتاب ستباع كلها، ولو افترضنا أن ما يعود على الكاتب من ريع كتابه هو دولاران عن كل نسخة، فإنه بعد بيع النسخ كلها سيجني (2000) دولار، وهو مبلغ لا يكفيه وعائلته لمعيشة شهرين مع التقشف الشديد، بينما يكون قد قضى في تأليفه عاماً أو أكثر!!
إن أية عملية تعليمية تربوية ثقافية يمكن أن تخضع لمعادلة المتغير المستقل والمتغير التابع، فإذا كان المتغير التابع هو التعليم فإن المتغير المستقل هو الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، فإذا علمنا أنّ العراق لم يستقر طوال ما يربو على 40 عاماً من الحروب والقمع الفاشستي والتجهيل المنهجي المنظم لأجياله، فإننا سنكون قد وقفنا على حافة البركان، وسندرك أن ما يعتور الثقافة والتعليم من علل مستعصية ليس سوى نتيجة حتمية لكل تلك المقدمات التي استولدتها ظروف البلد السياسية طوال تلك الحقبة وما تلاها.
إن ثقافتنا اليوم تعيش أخطر مراحل سيرورتها التاريخية، لكننا نعلم أيضا أنها مرت بمخاطر عظيمة في الماضي، ونجحت في عبورها، وعلينا أخيراً أن ندرك أن الثقافة عملية عضوية تسهم فيها منظومة معقدة من الفعاليات الاجتماعية، وإن النهوض بواقعها اليوم بعد كل الكبوات التي رافقت مسيرتها، مسؤولية النخب الثقافية والاجتماعية والدينية وكل قوى المجتمع الخيرة وكل من يتصدى لاستنهاض الوعي في المقام الأول.
ونحن في مجلة الشبكة العراقية ارتأينا أن نبحث في رهان الوعي، وأن نخصص في كل عدد ملفاً موسعاْ في واحد من قطاعات الثقافة والفكر والتربية والصحة وغيرها من الشؤون التي تهم المجتمع العراقي وتسهم في استنهاض وعيه وإحياء تقاليده المجتمعية الرفيعة، وتسرّع وتائر التنمية فيه.