الحاج محمد الخشالي

نرمين المفتي

وضعني خبر رحيل الصديق الحاج محمد الخشالي، صاحب مقهى الشابندر، في حيرة باختيار الكلمات التي تتمكن من وصف هذا الشخص الذي أصبح -لوحده- واحداً من أجمل الوجهات السياحية، ليس في بغداد وحدها، إنما في العراق كله. لم يكن مقهاه المميز الوجهة، إنما أصبح كذلك لأن صاحبه محمد الخشالي، هذه الشخصية البغدادية التي خسرناها.
أصبح الخشالي صديقي حين دخلت مقهاه، ربما كنت أول امرأة تفعلها في الثمانينيات، ذلك الدخول الذي وثّقه الصديق صفاء صنكور في مقال أشار فيه إلى “انتهاكي لذكورة المقهى”. لم أكن ألتقيه أسبوعياً، إنما كلما ذهبت إلى المتنبي، وكنت أستمع إلى حكاياته عن بغداد والمقهى الذي تسلمه في 1964 ليحوله من (چايخانه – گهوة) مقهى شاي وقهوة وطاولة ودومينو، إلى مقهى ثقافي، وإلى قصص شخصيات عرفها. كنت ألمس أساه حين أرغمته الحرب الطائفية أن يغلق مقهاه مع صلاة الظهر.. حين حدثت الفجيعة، تفجير إرهابي في المتنبي، آذار 2007، الذي ذهب ضحيته 70 شهيداً والعشرات من الجرحى، عرفت أن من بين الشهداء أربعة من أبنائه وحفيده.
كنت حينها خارج العراق، ورأيته بعد أشهر طويلة عن تلك الفجيعة في المقهى الذي أصبح اسمه منذئذ (مقهى الشهداء). كان جلداً ومحتسباً إلى الله، علق صور شهدائه على جدار المقهى، قريباً منه، علماً أن تلك الجدران لا تحمل الصور التاريخية فقط، إنما صوراً لشهداء من رواد المقهى، وأخرى للمصور المبدع الراحل الصديق عادل قاسم. لم أعرف ماذا أقول له، وهو يروي لي الفجيعة، وكيف أن زوجته لم تتحمل رحيل الأبناء والحفيد، وتوفيت لتلحق بهم في أربعينيتهم. وروى قصة القبر الفارغ بجانب قبور أبنائه وحفيده وزوجته، الذي أوصى أن يدفن فيه.
ربما كان في سره يغبط زوجته لأنها لحقت بهم بسرعة، لكنه استمر جالساً في مقهاه، مستقبلاً الجميع بابتسامة، ولم يكن يمر شهر بدون أن تلتقيه فضائية أو شبكة إعلام عربية أو غربية، فضلاً عن لقاءات الفضائيات والصحف العراقية به.
كان الراحل الكبير يعكس وجه بغداد الحقيقي النقي والنبيل.. رحيله خسارة كبيرة، وأتمنى أن ينتبه ورثته إلى إرثه، ليس المقهى فقط، إنما إلى أوراقه التي كان يدونها باستمرار، قطعاً تنفع أن تكون كتباً عن بغداد وأسرارها، مثل كتابه (شخصيات بغدادية)، وأن تعمل الجهات المختصة على حفظ المقهى كما هو. وحقيقة كان الراحل الكبير آخر باشوات بغداد، كما وصفه الصديق د. محمد البياتي، ورحيله خسارة بغدادية اجتماعية وثقافية كبيرة..
وإن كان كل من عرفه حزيناً على فراقه، فإنه قطعاً سعيد، فقد التحق بمن أحبهم، وإن متأخراً لبعض الوقت..
إلى رحمة الله، وسلاماً وأنت تبدأ رحلتك الأبدية، وفي أمان الله الإنسان النبيل الباشا محمد الخشالي.