#خليك_بالبيت
حسن العاني /
لا تستحضر ذاكرتي قضية شغلت البشرية منذ اقدم العصور حتى يومنا هذا، مثل قضية الحرية، فقد كان التاريخ الانساني على امتداد عصوره الثقافية، تاريخ نضال ضد الرق والعبودية والتمييز العنصري والاستعمار والاحتلال، قدمت فيه الشعوب ملايين الضحايا من اجل حريتها وتحررها واستقلالها… وكما كانت الحرية مطلباً ذا هوية جماعية تنشده الامم المغلوبة على امرها، فقد كانت مطلباً ذا هوية فردية ينشده المواطنون الذين كممت الانظمة الدكتاتورية افواههم، ومن هنا فان مفهومي (التحرر والحرية) وجهان لعملة واحدة، بغض النظر عن المفردات التفصيلية، ولعله من العسير حقاً، الالمام بأنواع الحريات جميعها، ذلك لان العصور الحديثة وحدها ابتكرت مئات الاسماء والعناوين، ليس اولها حرية التجارة والملاحة والعمل والمعتقد والتمسك بالكرسي وليس اخرها حرية الغناء والكلام والرقص والتعبير والصحافة والاحزاب والتظاهر وتزوير الشهادات…الخ، ولا خلاف على ان الانسانية انجزت الكثير على هذه الطريق وما الانتخابات التي تشهدها ثلاثة ارباع المعمورة وتشكيل البرلمانات ومجالس المحافظات والمجالس البلدية وما يشابهها من تشكيلات في هذا البلد او ذاك، الا اشارة واضحة على الانتصارات العظيمة للحرية والديمقراطية، على الرغم من اللغط الكبير الذي يدور حول صناديق الاقتراع!
ربما كانت موضوعة المرأة، هي الصوت الاعلى في مسار الحرية، فقد انشغل العالم، حتى التقدمي والحضاري بهذه المسألة، وتشكلت الاف المنظمات النسوية المطالبة بحرية المرأة ونيل حقوقها ومساواتها مع الرجل سواء على مستوى الزواج والطلاق والسهر خارج البيت، ام على مستوى الوظائف العالية والرئاسية والسيادية، والوقوف بصلابة ضد العنف الزوجي، وبهذه المناسبة يبدو من المفيد والطريف معاً، التنويه الى ان احدى المحافظات العراقية شهدت قبل عشر سنوات تقريباً ولادة منظمة رجالية بلغ عدد منتسبيها في العام الاول لاعلانها اكثر من 3 الاف عضو، مهمتها الدفاع عن الرجال الذين يتعرضون لضرب الزوجات المبرح، ومن المؤمل ان تشهد المحافظات الاخرى ولادة منظمات مماثلة للحفاظ على كرامة الرجال!!
(اعتقد ان منظمات المجتمع المدني التي تتبنى هذه القضية او تلك هي ارقى ما توصل اليه العصر الحديث، لأن عملها ذو طابع سلمي تطوعي انساني، يتميز بطول النفس والصبر الجميل) ، وأنا اكتب عن قضية الحرية وما يتعلق بها، اكتشفت ان التجربة الديمقراطية في العراق بعد 2003، هي من اغنى التجارب العالمية عمقاً وتطبيقاً، حيث هنأت أطياف الشعب ومكوناته باعلى درجات الحرية، والشواهد على ذلك اكثر من ان تحصى، صحف وفضائيات واذاعات واحزاب واعتصامات وتظاهرات وانتخابات وحريات دينية وفكرية، ونقد ومعارضة وتعبير عن الرأي، وكل هذه المظاهر وغيرها، كفلها الدستور ولكن الغريب ان شريحة واحدة هي التي ظلت تعاني من الاضطهاد وكبت الحريات، واعني بها شريحة (اعضاء البرلمان)، وكأنهم استهانوا بقلة عددهم، حيث لا يحق لعضو البرلمان ان يصوت على قرارٍ ما بالموافقة او بالرفض، ولا يحق له ابداء رأيه الشخصي في اي موضوع، وهو ملزم ان يرفع يده وهو لا يريد رفعها ، او ان يخفي يده في جيب سترته، وهو يريد رفعها لان رئيس الكتلة، وحده يقرر – والنائب وحده من ينفذ- مع ان هذه الشريحة هي التي كتبت الدستور وفصلته على مقاسها- والاغرب من ذلك ان هناك 4 الاف منظمة مجتمع مدني في العراق للدفاع عن الدستور والخدج والمرأة والفتيان والارامل والطفولة والصحفيين وذوي الاحتياجات الخاصة ..الخ، ليس بينها واحدة تحمل اسم منظمة الدفاع عن حريات البرلمانيين!!
النسخة الألكترونية من العدد 360
“أون لآين -3-”