جمعة اللامي /
“أنا مسكين لمن يعرفني
لوني السمرة ألوان العرب”
(مسكين الدارمي)
أصحاب “الخط الواحد” في الثقافة والحياة، ودعاة “إننا خلقُ الله من طينة واحدة”، يعرفون تعليقات ناقصة من هنا وهناك، حول الشاعر مسكين الدارمي، أولها إنه أموي الهوى، وربما تكون الثانية بيتين من قصيدة له:
أنا مسكين لمن أنكرني
ولمن يعرفني جدّ نطق
لا أبيع الناس عرضي إنني
لو أبيع العرض منّي لنفق
أمّا المحققون أصحاب العقل والفراسة والمروءة، فإن ربيعة بن عامر، هو تميمي، وينسب إلى “دارم” الذي هو أحد أجداده، ويدركون كذلك لماذا مدح الدارمي، يزيد بن معاوية، بقوله:
إذا المنبر الغربي خلاّه ربّه
فإن أميرَ المؤمنين يزيد!
وهم في هذا، أي المحققون أصحاب العقل والفراسة والمروءة، يرون بعين الفاحص المتمهل، إلى شعر الفرزدق حول هذا الشاعر الأموي، بل إن بعضهم ربما يتكبّد مصاعب جمة، ويلحق به سوء فهم، حين يعرض ــ حتى مجرد العرض، لمواقف “مسكين الدارمي” في تلك الفترة المُنقلبة المُتقلّبة من النصف الثاني من القرن الهجري الأول، حين اختلط الحابل بالنابل، وصار الشهيد خارجاً على القانون، والدعيّ حاملاً راية العروبة، في مدونات السيرة الرسمية للملوك والحكام!
وما يزال البعض في مشهدنا الثقافي، يواصل ذلك الاغتراب عن النظرة الصحيحة، حول ما ينبغي أن تشكله الثقافة في حياتنا، وما يجب على المثقفين أن يرفعوا راياته حين ينحطّ الذوق، أو عندما ينبري غير “ابن بجدتها” إلى ميادين الضِراب بالقول والرأي والسديد.
ولعلّ وضعنا الثقافي على امتداد العقود الخمسة الاخيرة، صورة أُنموذجية لتبيان مناطق العَوار والكلال في توجهات العرب الثقافية نحو العراق، أو في عرض الثقافة العراقية على العرب.
فكثير من الشعراء والكتاب والمسرحيين والرسامين العرب، لم يعرفوا من الثقافة العراقية، في تلك السنوات، سوى لذائذ السمك العراقي عند نهر دجلة، لكنهم بعدما يملأون بطونهم بما قبل ذلك السمك يقولون: هذا السمك العراقي ذو الرائحة الزفرة (!!) . أما الذين كانوا يقدمون لهم ما قبل السمك العراقي، وما قاموا به عند أعتاب كبار رجال العهد السابق، فلا علاقة لهم بعمق الثقافة العراقية، اللهم إلا طريقة تجميعية في جعل أحدهم يتكلم عن “عروبة دارمي المسكين”، من دون الإحاطة بعصره، وتكليف آخر ليكتب عن أغنية “سليمة باشا” المعروفة: “يا صياد السمك”، وهو لا يعرف الفرق ما بين “البنّي” و”الشبوط”.
ومن بين ما أنتجه العقل العربي المتخلف، بصدد الثقافة العراقية، هو تجميع من هبَّ ودبَّ في مؤتمر واحد، حتى لو سماهُ بعضنا: المربد، فلن نحصل الّا على لقاء ثقافي، على شاكلة اُغنية “البرتقالة”!