حسن العاني /
اعترف بأنني على مدى سنوات طوال، وأنا أمقت الأقوال الجاهزة أو المأثورة كما يدعوها البعض، وأسخر منها، من ذلك على سبيل المثال مقولة “الرجل المناسب في المكان المناسب” التي يتمشدق بها ذلك الفصيل من السياسيين الجهلة. ومقتي لها نابع من قناعة شخصية، مفادها أن الانسان اذا كان “خوش آدمي” فإنه يصلح لأي موقع وأية وظيفة، وهي قناعة مضحكة كما اتضح لي فيما بعد، حيث اكتشفت ذلك بنفسي عندما استدعاني الصديق والزميل كامل الشرقي، رئيس تحرير مجلة “ألف باء” وكان ذلك على الأرجح أوائل العقد التسعيني من القرن الماضي، وكلفني بتسلّم رئاسة القسم الرياضي “زيادة على مسؤولياتي الأخرى” وقدّم لي موجبات ذلك التكليف، ثم خاطبني برجاء صميمي أن لا أعترض أو أرفض، وهكذا غادرت مكتبه بصفتي زعيماً للرياضة في المجلة!!
لم تسعدني تلك الرئاسة لأنها من دون مخصصات، ولا حاجة إلى اليمين بأنني لا أميّزُ يومها بين “ركلة” الجزاء وبين “ضربة” الجزاء، وكانت فرصة مجانية لخصمي اللدود في المجلة، رسام الكاريكاتير الكبير، الفنان المتألق خضيري الحميري، لأنه في واحدة من أكثر لوحاته لؤماً وخبثاً “لعب بحالي لعب”، وقال لي بسخرية مفضوحة “يجب أن تتحلى بروح رياضية”، ومع أنني اصطنعتُ ابتسامةً ولكنني حقدت عليه، ومازلت أنتظر الفرصة للانتقام منه.. ولكن ماهو أكثر إيذاءً من الحميري جاء من صفيّة روحي نرمين المفتي، وهي تقول لي مدّعيةً الجدية، “إن شاء الله يوم تعيينك حارس مرمى الزوراء”، وقد فشلت في الحقد على هذه الملعونة!
في الحقيقة أنا من أبوين ديمقراطيين بالولادة، ولكن مشكلتي القديمة الجديدة التي لم تتغير، تكمن في فهمي القاصر لعبارة “روح رياضية”، ولذلك استعنتُ بمؤسس الفوضوية في المجلة الزميل العزيز والصديق الرياضي المعروف “غازي شايع” وقلت له “أرجوك أن توضح لي، أين هي الروح الرياضية في الرياضة نفسها، وأنا أرى اللاعب يعرقل خصمه أمام الجمهور وقد يعرضه الى تمزق في العضلة أو كسر في القدم أو جروح بليغة، والملاكم طالما تسبب في تهشيم أنف منافسه، بل طالما كان سبباً وراء موته، وربما كانت لعبة كرة القدم الأميركية واحدة من أوضح الأمثلة، لأنها لعبة تتسم بالوحشية، والأمر يتعدى ساحات الرياضة الى ساحات الحياة المفتوحة، فالناقد (س) يتولى تجريح الشاعر (ص) تجريحاً قاسياً، لا يفتقر الى الموضوعية فقط، بل الى الذوق كذلك، ومع ذلك يطلب منه التحلي بالروح الرياضية، ألا يبدو هذا الأمر غريباً، وقبل ذلك مدعاة للضحك؟!
احتمل مبتكر الفوضى الخلّاقة في المجلة، قبل أن يأتي بها الاحتلال الى العراق، سذاجتي وكلامي الفارغ الى نهايته، ثم أجابني مستعيناً، على عادته، برأسه ويديه وعينيه: إن الملاكم الذي يخسر –على سبيل المثال- يقوم بمصافحة خصمه الرابح وبالعكس، وفريق كرة القدم الذي يخسر المباراة يبدأ بقيام مدربه بتهنئة المدرب الفائز، فيما يتبادل لاعبو الفريقين القمصان “الدريسات”، لأن الرياضة خصومة شريفة تخضع لقوانين اللعبة وفنونها، أما الروح الرياضية فهي قبول النتيجة، والاعتراف الطوعي بفوز الآخر، والاستعداد لجولة مقبلة!!
رد واقعي ومقنع الى حد كبير في ميدان الرياضة، ولكنني لستُ مقتنعاً بصحته خارج هذا الميدان.. فمنذ خمس عشرة سنة، لم أرَ أحداً في حياتنا السياسية على وجه الخصوص، وفي الانتخابات بوجه أخص، يتحلى بروح رياضية، أو يتبادل الدشداشة مع خصمه أو منافسه، أو يقول له “مبارك” ولو من باب المجاملة.. ترى هل يكمن السبب لأن المنافس حقق فوزه بالمنشطات بعيداً عن الروح الرياضية وأخلاقها؟ الله أعلم..