الفخ الذي وقعتُ فيه!

عامر بدر حسون/

قبل اكثر من ثلاثين عاماً، قرأت تمثيلية اذاعية لكاتب أميركي نسيت اسمه، ولعل اسمها كان “الفخ”.

وهي ربما كانت أحد الفخاخ التي وقعت فيها وما زلت!

***

القصة باختصار أن الأب اصطحب ابنه الصغير للغابة ونصب فخاً للطيور، فوضع الطعم بشكل مغرٍ وواضح، كما هو شأن الفخاخ، وموّه على المكان بنثر اوراق الشجر حوله ليبدو الفخ بريئاً كالغابة!

وفي طريق العودة في السيارة يسأل الطفل:

– متى سنعود الى الغابة؟

– بعد اسبوع ربما..

– ولماذا لانعود غدا؟

– لأنني مشغول..

***

في الطريق تبدأ الأسئلة المقلقة:

– كم يستطيع الطائر او الأرنب العيش دون أكل؟

فيرد الأب انه ترك طعاماً كافياً في الفخ وانه ربما يعيش اكثر من اسبوع.. فيعود الطفل ليسأل:

– وكم يوماً يستطيع الأرنب او العصفور العيش دون ماء؟!
فيرد الأب دون اكتراث:

– ربما يوماً او يومين او اكثر!

فيتأكد الطفل:

– ونحن سنعود بعد اسبوع؟!

– نعم!

***

هنا جثم الكابوس عليّ كما جثم على الطفل!

الواقع انني وقعت في الفخ مثل الطفل وانتقلت أسئلته اليّ!

– ماذا لو وقع الطائر اليوم في الفخ؟ هل سيموت غدا من العطش؟!

– كم سيتعذب قبل ان يموت؟!

– ولماذا نصطاده ان كان سيموت؟!

كان الأب يرد، وهو يقود سيارته بعدم اكتراث:

– ربما لن يقع اليوم.. او غدا او حتى بعده..

لكنني والطفل كنا نسأل:

– وماذا لو وقع اليوم في الفخ؟!

***

انا اتحدث عن عمل ادبي وفني عظيم في انسانيته وعمقه وليس عن حبكة معقدة ومشاعر صاخبة.. اتحدث عن عمل انساني مفعم بالأفكار العميقة وقدرته على نقل اسئلته الى القارئ او المستمع فتتحول الى قلق وصراع نفسي مرير.. لكنه يجعل الإنسان اكثر انسانية.

الأخطر من هذا.. ان الاسئلة استمرت بمرافقتي في قضايا اخرى وخصوصا عندما يتعلق الأمر بأناس وقعوا في الفخ:

– سجناء أبرياء، ظلم ارتكبه انسان بحق انسان آخر.. تعسف الرعاع بحق غيرهم.. ترويع مجموعات بشرية، ناهيك عن سادية الموظف بحق المراجعين.. والخ.

***

كان تلك الأسئلة هي الفخ الذي وقعت فيه.. ولم أخرج منه بعد!

الواقع انني كنت وقعت في فخاخ اخرى قبله دون ان ادري.. لكن تلك التمثيلية الإذاعية جعلتني في مواجهة كل الفخاخ من خلال تلخيص اسئلة الحياة:

– وماذا لو كان بريئاً؟ وماذا لو كان مظلوماً؟ وماذا لو كانت الجموع تسير الى حتفها وهي لاتدري؟!

اسئلة لا اريد الاستغراق في ذكرها.. فهي تبدو انشاءً يومياً مملاً وثقافتنا السائدة لديها أجوبة تبرر كل الشر الذي في حياتنا وتدافع عنه!

***

اسئلة الطفل عن الفخ رافقتني واظنها سترافقني للنفس الأخير.

واتمنى مخلصاً ان تنتقل اسئلة الطفل لك عن الفخ.. رغم انها تمثيلية اذاعية ليس فيها سوى الأب والطفل وسوى صوت الغابة والسيارة!

***

ارجو ملاحظة هذا:

اسئلة الطفل لم تنطلق في الغابة (موطن الانسان البدائي) وانما في السيارة (رمز الحضارة والتطور).. أم أنها مبالغة مني؟

ويا إلهي!

ثمة عصفور وقع او يوشك على الوقوع في الفخ.. ماذا أفعل؟!