القربانان:إسماعيل وإسماعيل

نرمين المفتي/

هناك دائماً نذور لأمنيات كبيرة تبدو مستحيلة، قرابينها أو أضحياتها من البشر، ومن بينها حلم تحرير فلسطين، الحلم الممتد منذ 75 سنة، وما تزال قرابينه البشرية مستمرة حتى وصلت الأعداد إلى مئات الآلاف من الشهداء
كانت معجزة أن فدى الله سبحانه إسماعيل بن إبراهيم (ع) بـ (ذبحٍ عظيم)، ومنذئذ يضحي الناس لأحبتهم إيفاء لنذورهم بكبشٍ أو خروف أو ثور صبيحة عيد الأضحى، وهو عيد إسماعيل (ع).. لكن هناك دائماً نذوراً لأمنيات كبيرة تبدو مستحيلة، قرابينها أو أضحياتها من البشر، ومن بينها حلم تحرير فلسطين، الحلم الممتد منذ 75 سنة، وما تزال قرابينه البشرية مستمرة حتى وصلت الأعداد إلى مئات الآلاف من الشهداء، وقبلهم كان هناك الآلاف أيضاً، منذ وعد بلفور المشؤوم.
كانت هذه القرابين تذهب دائماً من دون صور أو أخبار كثيرة، لأسباب عدة، من بينها الرقابة، وعدم إيصال الخبر الصحيح، وغلبة الإعلام الغربي. لكن هذ الإعلام تراجع واندحر أمام إعلام غزة منذ أن بدأ طوفان الأقصى، إذ تمكن صحفيون، مراسلون ومصورون فلسطينيون من غزة، سواء من الذين يعملون مع شبكات الإعلام، أو من المستقلين، بل إن المدونين، وبينهم شباب دون العشرين، بناتٍ وأولاداً، تمكنوا من إيصال صور حرب الإبادة بكل تفاصيلها المؤلمة بنجاح، من خلال صفحاتهم وقنواتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ومضى المئات منهم شهداء أيضاً.
في الشهر العاشر لحرب النازيين الجدد ضد غزة، ذهب إسماعيلان قربانين، القائد الشهيد إسماعيل هنية، والصحفي الشهيد إسماعيل الغول، الذي استشهد معه المصور رامي الريفي. لم يربط إسماعيل وإسماعيل اسميهما واستشهادهما في يوم 31 تموز الماضي فقط، إنما كانت بينهما قواسم مشتركة أخرى، فهما ولدا في مخيم الشاطئ في غزة، الأول في عام 1963 والثاني في عام 1997، ودرسا في مدارس (الاونروا) الخاصة باللاجئين، وتميز كل منهما بوجه طفولي سمح وبعينين فيهما حزن عميق، حتى إن حاولا الابتسام، وكلاهما أصرّ على قول الحق مهما كان الثمن. منح الأول 60 فرداً من عائلته المقربة شهداء، وأكثر من 200 شهيد من الحمولة حتى استشهاده. ومنح الثاني -كغيره من الصحفيين- أفراداً من عائلاتهم شهداء في محاولة لإسكاتهم، فقد استشهد والده وشقيقه في قصف منزلهم، ونزحت عائلته، ومنذ بداية الحرب لم ير ابنته التي كانت في شهرها الرابع حين النزوح. كان إسماعيل الغول يصور تقريراً عن منزل إسماعيل هنية الذي دمره القصف، وانسحب بأمر من النازيين الجدد الذين أرسلوا طائرة مسيرة لقصف المركبة التي يستقلها مع زميله المصور والتي كانت ترفع علامة تشير إلى أنهما من الصحفيين، لكنها ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها الصحفيون عن سابق إصرار وترصد، وبإصرار وترصد أيضاً سيتحقق الحلم، سيتحقق..