القوة الاقتصادية

ياسر المتولي

سؤال قد يتبادر إلى ذهن الكثيرين، مفاده ما المعايير المعتمدة في تصنيف القوة الاقتصادية لأي بلد في العالم؟ والجواب، بتعريف بسيط، أن اعتبار الدولة قوية باقتصادها يقاس بما تمتلكه من ثروات طبيعية متنوعة، في مقدمتها: النفط والغاز، وهما مصدرا الطاقة المعتمدة في جميع الأنشطة العالمية، كذلك مصادر الطاقة والحياة الأخرى، وتحديداً الثروة المائية، بالإضافة إلى عناصر الطبيعة الأخرى، المستخرجة وغير المستخرجة، وذات الاستخدامات المختلفة، كالفوسفات والكبريت والحديد، وبقية مكونات الطبيعة الغزيرة، والتربة الصالحة للزراعة ومناجم الفحم والذهب، وغيرهما من المعادن الثمينة.
هذه أبرز وأهم مقومات قوة البلد الاقتصادية.. ما التصنيف الذي يحصل عليه العراق بين البلدان القوية اقتصادياً؟
يصنف العراق بالمرتبة التاسعة أو العاشرة من حيث امتلاكه الثروات الطبيعية، وينظر له كقوة اقتصادية ناشئة وواعدة. لكن هذا التقييم يتوقف على مدى القدرة والإرادة القوية لإعادة العراق إلى الصدارة بين الدول المتقدمة اقتصادياً، كثمن يتعين أن يوفره حتى يمكن حصوله على هذا الوصف الدقيق للقوة الاقتصادية، قياساً بإمكاناته المتاحة. ولكي نصل في تحليلنا المتواضع في هذا الشأن، أي وصول العراق إلى هذا التصنيف الذي يستحقه بامتياز، لابد من النظر من زاوية أخرى تتعلق بتجارب الدول التي استطاعت بلوغ هذا الهدف.
وأقرب مثال يمكن الاستدلال به في محيطنا العربي والإقليمي هي السعودية، التي تحتل اليوم المكانة الأولى بين الدول من حيث قوتها الاقتصادية التي جعلتها مثالاً تحتذي به الدول التي تحاول أن تنشط باقتصاداتها، فكيف استطاعت بلوغ هذا التصنيف…؟
طبعاً كونها استثمرت ثرواتها الطبيعية بشكل أمثل، وحققت تطوراً كبيراً، وواكبت كل المتغيرات حول العالم، ولخصت ذلك كله بشعار (رؤية المملكة 2020 – 2030)، وأينما وجدت ملاحظة أو خللاً في جانب من جوانب تلك الرؤية، سارعت إلى تعديلها ومعالجتها بكل حكمة، وأن اختيار الدول العظمى للتفاوض لحل صراعاتها السعودية هو أكبر دليل، والمفاوضات الأميركية الروسية اليوم هي إقرار بقوة الاقتصاد السعودي. وللأمانة فإن المقارنة بين العراق والسعودية تكون غير متكافئة، بسبب أن العراق قد مر بحروب عبثية ومشكلات وتحديات ما أنزل الله بها من سلطان، فيما ظلت المملكة مستقرة رغم التحديات.
فالعراق بدأ الآن يتنفس الصعداء، وتحقق له استقرار نسبي يمكن استثماره للنهوض بالاقتصاد العراقي كقوة واعدة على مستوى الشرق الأوسط.. فالمطلوب الآن استثمار ثروات العراق الطبيعية المكنونة وغير المستثمرة. وتلوح في الأفق محاولات جادة في جذب الاستثمارات العالمية والعربية كبداية صحيحة للوصول بالعراق إلى مستوى التقييم والتصنيف الدولي، لمكانته الاقتصادية في التسلسل العاشر بين الدول الغنية، ليصبح قوة اقتصادية مضاهية للاقتصادات القوية في الإقليم وبين الدول.
هل نوفق في تحقيق هذا الحلم ونفيق يوماً ما ونرى العراق حاضرة الاقتصاد العربي المتين بين الأمم؟
ممكن، ولكن نحتاج إلى إرادة وتكاتف وطني، ومغادرة الغلو في الإسراف والإنفاق الحكومي غير المبرر، واحترام الوقت، ودفع القطاعات الاقتصادية، وتشجيع القطاع الخاص ليقدم ما بوسعه من جهد وطني.
نأمل ذلك، حتى لو نعُده أضغاث أحلام، فالعراق سيكون يوماً قوة اقتصادية عظمى فاعلة بهمة رجاله وشبابه، لا محالة.