أحمد سعداوي/
القراءة عن طريق تطبيقات الكتب الصوتية تبدو كأنها الموجة الأحدث من وسائل القراءة في العالم
قبل بضعة أشهر، وخلال الضجة التي أثارها صدور آخر رواية لغابرييل غارسيا ماركيز (موعدنا في شهر آب)، التي طبعت بعد وفاته، بإشراف وموافقه من ورثته، قرأت العديد من المراجعات في الصحف العالمية، لكي أكوّن فكرة ما عن الرواية. كانت غالبية المراجعات سلبية، تشكك في ذمة أولاد ماركيز، وأن الرواية لم تكن كاملة، وأن أولاده (رودريغو وغونزالو) استسلموا لإغراء المال ودفعوا كتاباً غير مكتمل أو لم يجز ماركيز نشره.
فاجأني الصديق الكاتب والمترجم العراقي جلال نعيم باعتراضه على هذه الآراء السلبية وأنه “قرأ” الرواية وأعجبته. لم تكن قد مضت سوى بضعة أيام على صدور الرواية فكيف قرأها جلال يا ترى؟! أخبرني بأنه “سمعها” من خلال تطبيق للكتب الصوتية، إذ إنه اشترى النسخة الإنجليزية “الأوديو” وحمّلها على موبايله، وسمعها كاملة!
لم أشكك في دعوى جلال، لأنني أعرف أنه، من سنوات، يقرأ بهذه الطريقة. فخلال عمله في الدول التي يقيم فيها، كان يستثمر أوقات الانتظار أو الطريق الطويل بـ “سماع” الكتب المفضلة لديه، وهو يعرف الإنجليزية والإسبانية جيداً. لقد أجهز على كبريات الكلاسيكيات الأدبية العالمية بهذه الطريقة.
القراءة عن طريق تطبيقات الكتب الصوتية تبدو كأنها الموجة الأحدث من وسائل القراءة في العالم، لا تنتهي القراءة ولا تتراجع أهميتها، لكن الطرق التي نقرأ بها تتغير.
كان أحد مدرسي العلوم يشرح لطلبته كيف أن ذات المساحة يمكن أن تملأ بمادة أكبر، بوضع حصى كبيرة في كأس، ثم رمل خشن، ثم رمل ناعم، ثم ماء، والكأس استوعبها كلها. يبدو أن الكتب الصوتية تفعل شيئاً مشابهاً لهذه التجربة العلمية؛ إنها تستثمر الوقت غير الفعّال، المتناثر ما بين يومياتنا، الذي صرنا نستعمله في تصفح “ستوريات” التيك توك، لكي يكون وقتاً أكثر فاعلية.
كنت أرغب بقراءة كتاب “العاقل” لـ (يوفال نوح هراري)، لكني أتهيّب حجمه الذي يتجاوز الخمسمئة صفحة، حتى حصلت عليه ذات يوم على يوتيوب، مقروءاً بصوت جيد. استمعت إلى الكتاب مرتين، وعلى عدة جلسات، في تلك الساعة التي تسبق النوم عندي. كنت في سفر، أتنقل ما بين طائرة وأخرى، مرهقاً لا أستطيع التركيز، لكني كنت أسمع قصصاً قصيرة لماركيز، من خلال ملف صوتي مجاني. كنت أسهو أحياناً فأعيد المؤشر إلى الخلف حتى ألحق ما فاتني من تفاصيل. ويبدو أنني على استعداد لقراءة المزيد من الكتب بهذه الطريقة.
فوجئت قبل مدّة بأن بعض الصحف العربية صارت تعتمد، على موقعها الإلكتروني، تقنية قراءة المقال بصوت احترافي رصين اللغة. في كل الأحوال، يبدو أننا ذاهبون بقوة في هذا الطريق، وأن على الناشرين العراقيين التفكير ملياً بالطرق المنهجية الممكنة للربح عن طريق التطبيقات الصوتية، التي ستوسّع -بكل تأكيد- من قاعدة القرّاء، وتزاحم تطبيقات التسلية وإزجاء الوقت على هذا الوقت الثمين الذي نهدره من دون فائدة.