نرمين المفتي /
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي مناقشات وسجالات وصلت حد الاحتدام أحياناً بعد القراءة الأولى في مجلس النواب لتعديل المادة ٥٧ من قانون الأحوال الشخصية العراقي المرقم ١٨٨ في ١٩٥٩ والمعدل في ١٩٧٨ الخاصة بحضانة الأطفال بعد وقوع الطلاق بين الزوجين. وتنص الفقرة الأولى منها على أحقية الأم بحضانة الأطفال وتربيتهم ما لم يتضرر المحضون من ذلك، وتشترط المادة شروطاً عدة للأم كي تكون جديرة بالحضانة وفي حال عدم توفر شرط واحد من بينها تكون الحضانة للأب، وتجيز المادة أن يبقى المحضون عند الأم استناداً إلى قرار المحكمة حتى بلوغه الخامسة عشرة من عمره، ويحق له أن يقرر أن يستمر مع الأم أو يختار الأب، وتنص على مشاركة الأب في التربية.. باختصار المادة تلتفت إلى مصلحة الطفل، بينما المناقشات سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أم في البرامج الحوارية وحتى داخل مجلس النواب بدت كأنها “معركة” بين المرأة والرجل من غير أن تأخذ في الحسبان مصلحة الطفل وراحته وأن يكبر في بيئة سليمة. وفي مناقشات معدودة تم الدفاع عن التعديل لأسباب سياسية لكسب التعاطف وهناك من يقول إن الكتل التي أصرتش على قراءة القانون والتعديل إنما فعلته لقرب الانتخابات، أي لأجل كسب الاصوات، فهي معتادة أن تتصرف هكذا، أي مناقشة قانون حيوي ومهم قبيل الانتخابات دائماً..
من يصر على التعديل يرى أن أحقية الأم بالحضانة تبعد الطفل عن أبيه وأحياناً تحرمه من رؤيته ويتحول، ويقصدون الأب، إلى دافع للنفقة فقط! وهم لا يلتفتون إلى مصلحة الطفل، فالأمومة غريزة بينما الأبوة تعوّد، المرأة بطبيعتها تحب أن تمنح وتضحي، والأم مستعدة دائماً إن كان ممكناً أن تمنح عمرها لطفلها، لا أنكر دور الأب، لكن هل بوسعه أن يربي الطفل ويرعاه ويهتم بتغذيته وتنظيفه وحده؟ قطعاً لا يقدر، بينما الأم تقدر. ولا انكر وجود أمهات شذذن عن هذه القاعدة وفي هذه الحالة يكون الأب أحق بالطفل، فللمحكمة رأيها أيضاً في من هو الأحق استنادا إلى الأدلة والشهود.
إن المادة ٥٧ لم تحرم الأب من أطفاله، فالأم التي تستخدم الأطفال أداة انتقام من الأب ليست جديرة بحضانتهم، وفي المقابل هناك آباء يستخدمون الأطفال للانتقام من الأب أيضاً.. ومسألة الانتقام هذه قضية أخلاق وقيم وتربية والذي يلجأ اليها، الأم أو الأب، يكون فاقداً لقيمه ويدفع بالأطفال إلى هاوية الضياع. إن الأم التي تخاف على مستقبل أطفالها وصحتهم النفسية من المستحيل أن تحرمهم من الأب أو تسيء اليه أمامهم في غيابه. القضية تتلخص في مصلحة الأطفال وهي ليست معركة بين المرأة والرجل أو دعاية انتخابية وسياسية، ولا بأس أن أشير إلى قصة أبي الأسود الدؤلي، المتوفى سنة ٦٩ هجرية وموقف القاضي حينها من قضية حضانة الطفل، إذ تقول: (كان أبو الأسود الدؤلي مزواجاً، وكان له مع نسائه حوادث طريفة منها: أنه كان بينه وبين إحداهن كلام في ابن كان لها منه، وأراد أن يأخذه منها، فاختصما إلى قاضي البصرة. قالت الزوجة: أصلح الله القاضي! هذا ابني، كان بطني وعاءه، وحجري فناءه، وثديي سقاءه، أكلؤه إذا نام، وأحفظه إذا قام، فلم يزل كذلك سبعة أعوام.. حتى إذا استوفى فصاله، وكملت خصاله، واستوكفت أوصاله، وأملت نفعه ورجوت دفعه، أراد أن يأخذه مني كرها، فأقدني أيها القاضي، فقد رام قهري، وأراد قسري. فقال أبو الأسود الدؤلي: أصلحك الله! هذا ابني، حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، وأنا أقوم عليه في أدبه، وأنظر في أوده، وأمنحه علمي، وألهمه حلمي، حتى يكمل عقله، ويستحكم فتله. فقالت الزوجة: صدق أصلحك الله حمله خفا، وحملته ثقلا، ووضعه شهوة ووضعته كرها. فقال القاضي: اردد على المرأة ولدها، فهي أحق به منك ودعني من سجعك)..