المرأة ليست سلعة

نرمين المفتي /

بدأت مسابقات ملكات الجمال تثير الجدل، خاصة في العقد الأخير، بين من يرونها فرصة لإبراز المواهب والجمال، ومن يعتبرونها وسيلة لتسليع المرأة وتحويلها إلى مجرد جسد يُقيَّم وفق معايير ضيقة. أصبحت الشابات المشاركات في هذه المسابقات، خاصة مسابقتي ملكتي جمال العالم والكون، يرتدين أزياء تكشف الكثير من أجسادهن، بمشاهد لا تختلف عن شرح الكتب التاريخية لأسواق بيع الجواري، فالجارية كانت تعرض شبه عارية، وأحياناً عارية أمام أنظار المشترين. في الوقت الذي أصبحت فيه الأسئلة العامة التي توجه للمتنافسات بسيطة جداً، وكأن المنظمين يصرون على تسليع المرأة وتسطيح ثقافتها.
هولندا اتخذت خطوة رائعة تجاه هذه المسابقات مع إعلان منظمي مسابقات ملكة جمال هولندا إلغاءها، وقالوا في بيان أصدروه “لقد تغيّر الزمن ونحن نتغيّر معه.” وقررت مديرة إدارة المسابقات (مونيكا فان اي) إنشاء منصة تحمل عنوان “لم يعد صالحاً لهذا الزمن”، بهدف تحويل الهيئة القائمة عليها إلى منصة جديدة تعنى بالمرأة وتمكينها، ونشر قصص النجاح الملهمة ومساعدة اللواتي يواجهن مصاعب في الحياة، وقالت “لم يعد هناك مكان للتيجان، بل للقصص الملهمة، ولا للفساتين انما لأحلام تتحقق.”
هذا القرار، الذي أتمنى أن يقرأه منظمو مسابقات ملكات الجمال عندنا، يعكس تحولًا جوهريًا في النظرة إلى المرأة ودورها في المجتمع، وبدلًا من التنافس على الفساتين الفاخرة والتاج اللامع، يجب التركيز على إنجازات النساء في مختلف المجالات. فالمرأة ليست سلعة تُعرض أمام لجنة تحكيم، ومهما حاول منظمو هذه المسابقات أن يظهروها بأنها مهرجان فني وثقافي و(إنساني)، على أساس أن ملكة الجمال تقوم بنشاطات إنسانية تطوعية تظل في جوهرها قائمة على تقييم الجسد وفق مقاييس محددة، فضلاً عن أنها تفتح المجال أمام استغلال النساء في عالم الدعاية والإعلان، حيث تصبح المشارِكة مجرد أداة ترويجية لمنتجات التجميل والموضة.
إن هذه الخطوة الهولندية الجريئة تؤكد حتمية إعادة تقييم معايير الجمال والنجاح، لتتوج المرأة بناءً على إبداعها، وتأثيرها في المجتمع، وليس على أساس مقاييس جمالية تحددها صناعة الموضة وكشفها لجسدها أمام الآخرين. إن الجمال الحقيقي لا يكمن في التاج الذي يوضع على الرأس، بل في الأفكار والرؤى التي تصنع فرقًا في العالم، وتؤكد المرأة من خلالها على أنها ليست سلعة.