المُضْحِكون

جمعة اللامي /
“إحذر مَنْ يضحك دائماً، ومَنْ لا يُرى قَطّ ضاحكاً”
                                                    ( إتيان راي)
ولكن – يا صديقي القارئ، هناك من يضحك، أو يشير عليك بقول آخر، أكثر إثارة للتأمل والتفكر والتفكير، مِن مقولة الفرنسي إتيان راي، التي اتخذتها سراجاً لهذا النصّ. وهو قول أتقدم به – هدية إليك، والى كل ّ مَنْ يرغب في فهم معنى الابتسامة. فهذه الابتسامة التي تظهر على محياك، أو في حركة من شفتيك، تصدر من القلب إلى القلب.
وربما نتفق مع الأديب الفرنسي الشهير فكتور هوجو في مقولته إن “الضحك شمس تزيل الشقاء عن وجه الإنسان.” ولكن الفرنسي لامارتين له قول يدعونا إلى الإصغاء إليه جيداً: “إذا ما ضحكت الأقدارُ كانت نذير سوء، وإن عبست كانت بشير خير.” وهذا منطق جدلي، يجعل من “التناقض” فلسفة كاملة في حياتنا نحن البشر، منذ أن عرف الإغريق معنى كلمة “التناقض” أو “الجدل” أو “الديالكتيك”.
وأحسب أن هذه الفسحة قد تجعلنا أمام حياة ذلك الفرنسي، الذي ارتبط بالبلدان العربية، كما يظهر في كتابه “رحلة إلى الشرق” الذي كتبه بعد هزيمته أمام نابليون بعد الثورة الفرنسية الكبرى، فلم يجد سلوى سوى في سحر الشرق، فزار اليونان ولبنان وسورية، وتأثر بشخصية الرسول الكريم محمد بن عبد الله، حيث رأى فيه أنّه “ما مَنْ إنسان قط، وبوسائل ضعيفة، قام بعمل لا يتناسب مع القوى الإنسانية، إذْ لم يكن يملك وسيلة تساعده إلاّ ذاته.”
وهذا قول يحيلنا إلى الابتسام حقاً، فلم تكن الناس، في تلك الأيام، ترى محمداً إلاّ مبتسماً. اما المضحكون، أي السفهاء والمهرّجون، فلم يكونوا من أنصار محمد بن عبد الله، هم كانوا صفوة أعداء التقدم والتحديث في ذلك الزمان، وكانوا خدماً يُشترون بالمال، وهؤلاء كانوا  “زبدة المفهوم الإعلامي” للصفوة القُرَيشيّة الحاكمة.
المهرّجون مضحكون، وهم خلاصة البناء الفوقي للثقافة السائدة في البلدان العربية، بينما مَضادّهم الشعراء والفقراء، والقاصّون، هم الذين يجيدون الضحك بصوت هامس والابتسام بصوتٍ عال، لأن الابتسامة إنْ خرجت من القلب تضيء وجه المحبين، وإن ارتسمت على الوجه تشرق على الجسد بكامله، وإنْ اختفت تدعو إلى الثورة.