عبد الحليم الرهيمي /
واجه العالم في أكتوبر عام 1962 خطر اندلاع حرب نووية مدمرة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأميركية، بسبب ما سمي حينها بأزمة الصواريخ الباليستية التي نصبتها موسكو على أراضي كوبا، موجهة نحو الأراضي الأميركية. وقد تفجر هذا الوضع الخطير بعد قيام موسكو في 9 أيلول من العام ذاته بإرسال فوج من تلك الصواريخ ومعداتها إلى كوبا، وذلك لحمايتها من غزو أميركي محتمل وإسقاط حكومة فيدل كاسترو الثورية الحليفة لموسكو، والتي ناصبتها واشنطن العداء منذ انتصار ثورتها بزعامة كاسترو في تموز عام1959، وهو العداء الذي كان أحد تعبيراته إنزال واشنطن عدداً من الكوبيين المعارضين للحكومة الثورية في كوبا والتي سميت بعملية خليج الخنازير. غير أن عملية الإنزال العسكرية الفاشلة هذه كانت بمثابة إنذار لموسكو على تصميم واشنطن الإطاحة بنظام كاسترو، فأرسلت وزرعت فوج الصواريخ في كوبا.
وبعد أن اكتشفت الاستخبارات الأميركية ما قامت به موسكو، وجّه الرئيس الأميركي آنذاك جون كنيدي في22 أكتوبر 1962 إنذاراً شديد اللهجة إلى موسكو قال فيه : ستكون سياسة هذه الأمة إزاء أية صواريخ نووية تنطلق من كوبا ضد أية دولة في النصف الغربي (من الكرة الأرضية) هجوماً على الولايات المتحدة وستكون ردة الفعل الانتقامية كاملة على الاتحاد السوفيتي !
وعندما سمع العالم بهذا الإنذار المرعب بحرب نووية حبس أنفاسه من تفجر هذه الحرب، قدّر الخبراء أن ضحاياها لن تقل عن مئة مليون إنسان في كل من الاتحاد السوفيتي وأميركا فقط. لكن مفاوضات سريعة وحاسمة بين الرئيس السوفيتي خروشيف والأميركي كندي برعاية الأمين العام للأمم المتحدة (يوثانث) نزعت فتيل الأزمة المرعبة بالاتفاق على تعهد واشنطن بعدم غزو كوبا وإسقاط حكومتها الثورية، مقابل سحب موسكو جميع الصواريخ التي أتت بها الى كوبا.. وهنا انفرجت أسارير العالم .
غير أن كوبا التي عرفت حكومتها ببعض تفاصيل الاتفاق اعتبرها الرأي العام الكوبي (خيانة) موسكو لها، التي أرسلت رئيس مجلس السوفيت الأعلى الأرمني الذكي أنستاس ميكويان إلى هافانا ليوضح لقادتها تفاصيل الاتفاق، ثم توجه الى الساحة العامة بهافانا ليخطب بآلاف الكوبيين موضحاً لهم ما حصل، لكن الكوبيين الغاضبين واجهوه بشعار جيفارا الأثير(النصر .. او الموت) فرد عليهم: كلا كلا يا رفاق، لنستبدل هذا الشعار بالشعارالمناسب وهو (النصر .. أو النصر) ليكن خياركم الوحيد هو النصر .
لقد كان الشعارالمناظر لذلك الذي صاغته حركة الاحتجاج عندنا هو : سلمية .. سلمية .. حتى النصر، أما الموت أو الاستشهاد فليس هدفهم، بل ما يفرضه الأعداء عليهم!