عبد الله صخي /
كأن صورة الطفل إيلان، الذي جرفته مياه البحر إلى الشاطئ، لم تزل هناك مثالاً صارخاً على رغبة الإنسان في الهرب من موطنه واللجوء إلى أية دولة في العالم تنقذه من هوّة اليأس.
ما تزال تلك الصورة المؤثرة تستولي على عواطف الكثير من الأسَر الأوروبية التي فتحت أبواب منازلها للمهاجرين وطالبت حكوماتها باستقبالهم وتوفير فرص الحياة لهم. يومها انتشرت على نطاق واسع، في مواقع التواصل الاجتماعي، صورة جثة الطفل السوري البالغ من العمر ثلاث سنوات التي ألقتها مياه بحر إيجة على شاطئ مدينة بودروم فيما غرق أخوه وأمه. أثارت الصورة التعاطف مع الضحايا والغضب مما اعتبر تقاعساً من جانب الدول الغربية المتقدمة عن مساعدة اللاجئين، خاصة كندا التي يعتقد أنها كانت وجهة عائلة إيلان التي لم يبق منها سوى الأب يعاني مرارة الفقدان وفداحة الخسارة.
لقد اتسعت ظاهرة الهجرة، رغم مخاطرها، باتساع النزاعات واندلاع الصراعات الطائفية، والتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية ما دفع بآلاف المحاصرين، الجائعين، أو المهددين بالقتل لسبب سياسي أو عرقي أو ديني، الى رمي أنفسهم في العراء صيفاً وشتاءً، بلا ماء أو طعام أو دواء أو مأوى. لقد راهنوا على الصدفة التي قد تنقذهم من مغامرة محفوفة بأشد المخاطر وأكثرها هولاً. بعضهم كان يحلم بخيمة ورغيف خبز. ومع ارتفاع وتيرة الهجرة “غير الشرعية” كما توصف، وتنامي شبكات التهريب، وكثرة قوارب الموت في البحار وسط الخوف والعواصف تراجعت بلدان الشمال المتقدم عن وعودها والتزاماتها بالمعاهدات الدولية فيما يخص مناطق الحروب والنزاعات في توفير خيمة للحالمين بها. تلك الدول بدأت تبرر ذلك بنفاد قدرتها على تأمين احتياجات اللاجئين الأساسية. وثمة بلدان أغلقت حدودها، ونشرت قواتها الأمنية هناك تاركة اللاجئين في الأرض المهجورة يواجهون مصائر غامضة. بلدان أخرى اتخذت قرارات بإبعادهم أو ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية التي ربما يتهددهم فيها السجن أو الإعدام أو العودة إلى المكابدة والحرمان. عامل آخر أخذ يضغط بقوة على حكومات أوروبا هو صعود أحزاب اليمين المعادية للمهاجرين وتقدمها في الانتخابات.
لكن من هو السبب المباشر في هذه المأساة التي لا نظير لها منذ الحرب العالمية الثانية؟ أليس السبب هو النظام السياسي العربي؟ إن حكوماته أهملت التخطيط والتنمية الاقتصادية فانتشر الفقر والجوع والبطالة، أهملت القانون والعدالة الاجتماعية فانتشر الفساد، وزجت بالمعارضين في المعتقلات وأقبية التعذيب. وعندما تظاهروا فتحت نيران بنادقها نحو صدورهم العارية. حكومات عمّقت خطاب الكراهية بين مواطنيها فأشعلت حروباً أهلية وفرت فرصة ذهبية لمجاميع سعت إلى فرض تصوراتها الدينية بقوة السلاح فقتلت وشردت واستباحت آلاف الأسر برجالها ونسائها وأطفالها. فلنتخيل حجم المشكلات الناتجة عن هذا الواقع بضمنها تلك الظاهرة المروّعة: الهجرة إلى الجحيم.