محسن إبراهيم/
واقفٌ على تل الورد، يطلّ من شرفة الكون على خبايا الروح ويعمّدها بماء الكتابة. وبين نبض الحياة، كان يقلّب دفتر الشعر الذي أمسك جمرته بشكل مبكر, ويترك فانوسه المضيء مستمعاً لتراتيل أمه وهي تنعى الليل، تتنفس الشعر مترعاً بالمحبّة والغناء، وهكذا في أحضان أبيه كان ينتقي الأشعار الجيدة من لسانه، كونه شاعراً جيداً. يسترقُ السمع إلى قصص السجالات الشعرية من أفواه الفلاحين في جلسات سمرهم الليلية، وإلى حكاياتهم وأساطيرهم الجميلة، وإلى تغريد النسوة شعراً أثناء عودتهن من الحصاد, لتتوهج مخيلته ويسافر في سماء القصيدة، يبحث عن نجوم يوقدها بجذوة الشعر وتوهج المخيلة، ليرسم بفرشاة الحروف حكايات (الكمر والديرة)، طائر سومري جسده من طين يحلق فوق جبين الغيوم الزرق، وتنساب قصائده على صفحة المساء الممتدة على ضفاف الأهوار. أنين يسافر في شرايين القلب، ويطير فوق جرح النعاس، ليستقر على هضبة الروح إلى حيث مساءات الوطن, صوت همّه الوطن، يرخي العنان لمهرة الشعر لتأخذه في تلقائية السهل الممتنع. حاضراً في وجدان القصيدة والأغنية, يشعل الحرائق في رمـاد اليأس، ثم يفـرد جناحيـه فوق واحات الحلم. شاعر وطائر, يرفع فوق كل حلم ظلّه، روح جريح منكسـر، لكنـه قوي، متمرد وثائـر. روح نسـر تسكنه، والشاعـرالنسر يسمو فوق جرحـه ويعلو فوقه، كـأنه في انحباس الآه في صدره يعصر غيمة, فيعلو صوت القصيدة تنهداً ليزرع في السراب نخيلاً من الكلمات ويفجر في اليباب أعينـاً لعطاشى الشعر, القابض على جمرة الشعر، يشعل بها بحور القوافي، لتأتي القصائد سيولاً تروي ظمأ الأوطان إلى الحرية والجمال, الواقف على تلّ الورد عريان السيد خلف، القصيدة التي لم تكتمل بعد.