الولاية !!

حسن العاني

400 سنة من الاحتلال العثماني للعراق والوطن العربي – او كما يحلو للبعض أن يسمّيها أربعة قرون من الظلام، كما يفهم من توصيف المستر ستيفن لونكريك، المفتش الإداري في الحكومة العراقية سابقاً – تمثّل أعلى درجات الظلم والسوء في الوقت نفسه.
ومشكلة هذا الاحتلال التي تسبق تعسفه وظلمه أنَّه متخلّف الى حدّ التطرّف والبلادة، وحين يتّصف المستعمر او المحتل بصفة (التخلّف)، فأي نوع من أنواع المدنية والتقدم والتطلع الحضاري يرتجى، ولو بأدنى مستوياته، يمكن أن ينقلها للبلدان التي تخضع لسيطرته؟! ومن هنا عرف العراق على أيامه انتشار العديد من الظواهر السلبية التي استمرت حتى بعد سقوط الدولة العثمانية، في مقدمتها انتعاش سوق السحرة وفتاحي الفال والدجالين وقرّاء الكف!!
إذن كانت تلك القرون في إطارها العام عنواناً للشعوذة وتشويه الصورة الحقيقية للدين الحنيف، واتخاذ الإسلام (المحرّف) وسيلة لاستغلال البسطاء والفقراء في عصر يحكمه الجهل، وفي مجتمع تسوده الامية، وكان من الطبيعي أن تشهد تلك المرحلة مئات الحكايات الغريبة.. صحيح أن بعضها يقدم صورة إيجابية للاحتلال، او لهذا الوالي او ذلك السلطان، ولكن نسبتها تقل عن اثنين بالمئة، وبالتالي فلا قيمة في زخم الصور السود.. حالكة السواد .. وكان من الطبيعي كذلك أن يحدثنا التاريخ عن العديد من الحكايا المضحكة التي يمكن إدراجها تحت خانة (شر البلية ما يضحك) !!
واحدة من تلك الحكايات تفيد بأن السلطان الذي تولى أمور الامبراطورية حديثاً أرسل والياً الى بغداد لم يمكث سوى شهرين حتى تشكّل وفد من وجهاء المدينة وقابل السلطان ملتمساً تغيير الوالي لأنّه يعاني من تأتأة في النطق تجعل الناس تسخر منه.. الأمر بسيط، بل غاية في البساطة… استجاب السلطان وبعث والياً غيره، ولم يمض الوالي الجديد أكثر من خمسين يوماً حتى تشكّل وفد الوجهاء وناشد السلطان أن يغيّر واليهم لأنّه ضعيف الشخصية، وهكذا جرت الحال لاحقاً كل شهرين يتم إبدال والٍ بوالٍ آخر بهذه الحجة وغيرها وما أكثر الحجج، والسلطان يستجيب ولا يرد لهم طلباً، ولكنّه تعب جدّاً وهو الأمر الذي دفعه الى اختيار أفضل رجلٍ؛ ديناً وحزماً وعدلاً وإدارة وخلقاً وخلقة ليتولى ولاية بغداد.
انصرم الشهر الثاني والثالث ولم يحضر الوفد… تنفّس السلطان الصعداء، ولكن بحلول الشهر الرابع طلب الوجهاء تغيير الوالي وقالوا للسلطان صراحة: لقد ضجرنا، فنحن لم نعتد أن يحكمنا أحد أكثر من 3 أشهر في الحد الاقصى، طبعاً لم يعرف العراق معنى تجديد الولايات للرئيس الا بعد 1979 حين ابتكر صدام حسين نظرية (الولاية المفتوحة) التي جدّدها (6 مرات) وكان سيستمر بتجديدها لولا الاميركان، أما بعد 2003 فإنّ معظم زعماء الطبقة السياسية يرفضون تسلّم السلطة ويرفضون تجديدها، لولا إن الشعب متمسك بهم ويجبرهم على تجديد الولاية و.. وقيل غير ذلك والله أعلم !!