د. علي الشلاه شاعر بابلي /
على الرغم من أنني لست ميالاً إلى التضخم الداخلي لدى بعضنا وتصغيرهم للمؤسسات الدولية الكبرى وأولها منظمة اليونسكو العريقة، (المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم)، كلما جرى الحديث عن إخفاقاتنا في إقناعها بما نريد، وغالباً ماكان هذا الإخفاق ناتجاً عن عوامل موضوعية وأخطاء ارتكبت من بعض المحسوبين علينا كما فعلت الدكتاتورية مطلع الثمانينات صعوداً، عندما قامت ببناء قصر للدكتاتور صدام فوق تلّة صناعية أقيمت لهذا الغرض معتمدة على مقولة نبوخذ نصر التاريخية (إن من يملك بابل يملك الجهات الأربع)، وكأن الدكتاتور لم يكفه استعباد العراقيين فأراد استعباد الجهات الأربع.
ومثل ذلك ما فعله من إعادة بناء المدينة الأثرية بطابوق جديد نقش عليه اسمه وسنوات حكمه السوداء، أو من موافقة سلطاته على مد أنبوب النفط الخام في المدينة الأثرية، أو لكونه أول من قام بالتنقيب الأثري باستخدام الشفلات والرافعات وكأنه يتعامل مع أكوام قمامة.
لقد كانت كل تلك الأفعال جرائم بحق الحضارة والتاريخ والمدنية المعاصرة في الوقت ذاته مثلما هي جرائم أخلاقية تعبِّر عن جنون عظمة مبالغ بدرجته ونوعه.
وقد كان موقف اليونسكو من تلك التصرفات الهمجية تصرفاً صائباً وصحيحاً ويمثل احتجاجاً مطلوباً على إهانة الإنسانية وتاريخها وحضارتها التي ائتمن عليها العراقيون.
ومع كل ذلك وماتلاه فإن اليونسكو قد تأخرت في وضع بابل على لائحة التراث العالمي بالمحاولات الخمس السابقة بعد أن عاد العراق إلى الحضيرة الحضارية الدولية، وكان عليها إدراج بابل على لائحة التراث العالمي وابتداء عمل مشترك مع الآثاريين العراقيين لإعادة الاعتبار لبابل بتنقيب وإصلاح علمي مدروس وسريع.
ولابد لي وأنا أتحدث عن إدراج بابل أن أثني على كل من قام بجهد في ذلك دون أسماء او استثناء، لكنني أود أن أخص بالذكر مندوبَي الكويت والبحرين لدوريهما أثناء التصويت، أما مندوب تونس فإن دوره كان أكثر من رائع، حيث ردَّ بفرنسيته الطليقة أربع مرات على مداخلات المعترضين وأجبرهم على الإجماع عندما قال: “أيها السيدات والسادة.. نحن لاندرج بابل الآن، بل نصحح خطأ وقعت به اليونسكو بعدم إدراجها.”
شكراً للكويت.. شكراً للبحرين ..شكراً لتونس ومندوبها.