ياسر المولى
يعد ملف البطالة في العراق من الملفات المعقدة والشائكة، خاصة فما يتعلق بحجم البطالة بين خريجي الجامعات. هذه المعضلة المزمنة تتطلب حلولاً جذرية. ولعل أبرز معطيات ومؤشرات هذه الظاهرة هو حجم البطالة التي تقدر بنسبة 50 بالمئة بين من هم في سن العمل القانونية، بضمنهم 15 بالمئة بطالة مقنعة (موظفون فائضون عن الحاجة دون عمل).
يعود تفاقم هذه النسب المضطردة بحجم البطالة إلى مضاعفة مخرجات الجامعات سنوياً مع عدم قدرة الدولة على استيعاب الخريجين وتوظيفهم. يرافق ذلك تكريس ثقافة التعويل على الدولة في الحصول على وظائف حكومية، وغياب الأنشطة الإنتاجية من مصانع ومعامل عامة وخاصة لاستيعاب النسبة الأكبر من هذه البطالة.
هنا نلفت إلى أن التوسع الأفقي في إنشاء الجامعات الأهلية، بشكل يستوعب كل مخرجات الدراسة الإعدادية، مع حافز قبول كل المعدلات، حتى الضعيفة منها، فرض واقعاً غير محسوب باتساع هذه الظاهرة، ونقصد زيادة حجم بطالة الخريجين.
ومما لاشك فيه أن هذا الواقع، والمشكلات التي ظهرت من جراء هذه الإجراءات، يتطلب وقفة تقويمية ومراجعة نقدية بهدف تصحيح مسار التعليم على نحو يحقق الحاجة الفعلية من الخريجين.
في المقابل، نستطيع ـ وبكل وضوح ـ تشخيص خلل فني في قرارات منح إجازات تأسيس الجامعات الأهلية، إذ باتت هذه الجامعات استثماراً سهلاً للمؤسسين، دون أدنى اعتبار للأهداف الأخرى، وبما يتقاطع مع الاحتياجات الفعلية، ما يزيد في تعقيد الحلول. فضلاً عن أن هذا التوجه قد أسهم في تراجع المستوى العلمي لكثير من الخريجين، وضعف مؤهلاتهم، بسبب تحول الهدف التربوي من تأسيس الجامعات من علمي إلى تجاري بقصد الربح، دون اهتمام بالعلم المطلوب. إن معالجة هذه الظاهرة لا تتوقف عند الحد من توسع الجامعات وعدم قبول المعدلات الضعيفة، إنما تتعداها إلى عدم توفر بدائل لاستيعاب أعداد العاطلين.
هذه الجزئية ذات صلة وثيقة بالتشوه البنيوي للاقتصاد العراقي الأحادي الريع، ما يتطلب الإسراع في تفعيل وتنشيط القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية والخدمية، بهدف معالجة البطالة من جانب، وضمان تنويع الموارد لتخفيف العجز عن الميزانية العامة التي تظهر في الموازنة التشغيلية بسبب البطالة المقنعة والإنفاق غير المبرر في جوانب أخرى، إذ إن العجز في الموازنة يتسبب في خلق مشكلات كثيرة لعدم القدرة على سد هذا العجز، مع توقعات انخفاض أسعار النفط، الذي يعد المصدر الوحيد في موارد الموازنة.
وبحسب رؤيتنا، نقترح، لمعالجة مشكلة البطالة بين الخريجين، إقامة مؤتمر تخصصي يضم ممثلين عن وزارات التخطيط والتعليم العالي والتربية والصناعة والزراعة وخبراء اقتصاد لإعادة النظر في أهداف التوسع في إنشاء الجامعات، ومعالجات الخلل المتعلق بالمستوى العلمي للخريجين، والسعي لمعالجة خلل التعويل على الدولة في خلق فرص العمل.