عامر بدر حسون/
قبل فترة، وبعد منتصف الليل، اتصل بي أحد أصدقاء الفيس بوك وطلب مني تسمية ابنته التي ولدت للتو!
فاجأني الطلب.. فحاولت الاعتذار وكسب الوقت:
– ولماذا تتعب نفسك؟ اختيار الاسم يجب ان يكون لأمها، فهي التي حملت وعانت.. لكنه أصر على طلبه فطلبت مهلة لليوم التالي وشكرته على ثقته بذوقي.. ورغم إلحاحه في اليوم التالي، إلا أنني اعتذرت عن اقتراح اسم وسألته عن الأسماء التي احتاروا بينها فحبّذت بعضها وكانت كلها جميلة!
في آذار 1979 مررت بالعاصمة الجيكية براغ.. ودعاني المرحوم شمران الياسري “أبو كاطع” الى غداء في مقر مجلة السلم والاشتراكية.
لا أجرؤ على القول إنه كان صديقاً شخصياً لي، ففارق العمر والمستوى والشهرة وأشياء كثر رسمت علاقتنا كمعلم بتلميذ.. وأخذني بجولة في تلك المجلة بانتظار أن يأتي صديق فنجلس للغداء سوية.. كان هذا الصديق هو الروائي والكاتب والمناضل الفسطيني الشهير أميل حبيبي!
ومن الطبيعي أنني لا أتذكر الغداء ونوعه ومن مرّ وسلّم عليهما، فالجلوس مع عمالقة من هذا الوزن كان مكافأة رائعة أنستني كل شيء!
لا أدري ،حتى الآن، أيهما كان أكثر خفّة دم وسخرية من الأوضاع عموماً.. لكنني أتذكر تقديم أبو كاطع لي لأميل حبيبي وعن المستقبل الذي ينتظرني في عملي الصحفي، حتى ظننت أنه يحاول بيعي! فغالبية الصفات التي أطلقها عليّ لم تكن موجودة فيّ إلا كأحلام!.. وقد رددت الأمر الى كرم روحه، والأمر كذلك في الواقع.
وكان عليّ ان أجد موطئاً لي في الحديث بين الرجلين الكبيرين، فسألت أميل حبيبي سؤالاً ساذجاً عن اسمه ولقبه وهل انتبه أن من يناديه في طفولته وشبابه وحتى الآن باسمه كاملاً فإنما هو ينطق جملة كاملة معناها: “إن أميل .. حبيبي”!
فشجعاني بضحكة وقال حبيبي إنه لم ينتبه لهذه القضية من قبل.. وكانت تلك هي مساهمتي الوحيدة في الحديث وبقيت منتشياً أنني جلست بين هذين العملاقين!
ومرّت الأيام وأصبحت في بيروت وتزوجت، وكنا كلّما طرح موضوع الاسم الذي سنختاره للمولود الأول يقفز الى ذهني اسم حبيبي!
وأمام الاستغراب كنت أقول:
– حتى التفت عندما تنادي البنت ابني باسمه الكامل: حبيبي عامر!
في المدرسة ستصيح المعلمة بأعلى صوت “حبيبي عامر” وهي تنادي التلاميذ بأسمائهم.. وعندما يكبر ويتعيّن فإن زميلاته سيقلن جهاراً نهاراً “حبيبي عامر” وسأضمن له السعادة طوال عمره.. مع أخذ “حصتي” منها!
ومرّت الأيام وجاءت ابنتي نوار.. أصلاً اسم حبيبي لم تأخذه زوجتي على محمل الجد وبقي للمزاح وتوليد بعض المواقف الطريفة منه!
لكن الأصدقاء يتذكرون في بيروت ودمشق أنني كنت اقترح اسم حبيبي عليهم لمولودهم الجديد شارحاً “فضائل” الاسم وما سيجنيه الأب من تلك التسمية!.. لكن الاسم كان يواجه بالرفض من الأمهات بسبب فطنتهن ورغبتهن بحماية أزواجهن من الغرور وخراب البيوت!
وعندما اتصل بي الصديق الفيس بوكّي ليطلب مني الاسم تداعت في خاطري تلك الذكريات المرحة..
وربما كتبت هذا لأقول، متباهياً، إنني كنت يوماً بصحبة أبو كاطع وأميل حبيبي.. وهو أمر يستحق المباهاة.
لكن هذا ليس كافياً وعلي أن أضيف تذكيراً للآباء الجدد بمقترحي القديم.. فهو أفضل من تحميل الابن اسماً يدل على الطائفة فيتحمل الابن مشكلة تعصب وإخلاص الأب لطائفته.. خصوصاً وأن الجنون مر بنا يوماً فقتلنا بعضنا من أجل اسم في الهوية!