جواد غلوم/
حينما نرى نفوسا إنسانية تبلغ بهم الوحشية مبلغا نقول عنهم ونَصفُهم بأنهم ذئاب بشرية، تشبيها لهم بتلك الحيوانات المتوحشة الشرسة من دون أن نعلم أن الذئاب البريّة تمتلك من الصفات والنبل الإخلاقي مايفوق الإنسان؛ ففي تلك الحيوانات من الوفاء لجنسه مايحيّر العقول، إذ توجد عاطفة قوية من المحبة بين أفراد القطيع الواحد ومساندة للضعيف والجريح والكبير العاجز من الذئاب التي لاتقوى على الصيد، حيث تقوم الذئاب مجتمعة على مداواة الجرحى وتوفير الطعام للعاجزين ورعاية الصغار.
تعيش الذئاب أيضا نظاما مركزيا في الحياة الإجتماعية بينهم يسمى «تدرّج السيادة» لكونها تمتاز بالذكاء الحاد وقدرتها على تنظيم نفسها بنفسها والتخطيط لترتيب حياتها ويكون الأقوى والأكثر حنوّا وميلا عاطفيا لقطيعه هو السيد والآمر الناهي وهو من يقود القطيع أثناء فترات الصيد وفق نظام يشبه إلى حد ما تقدم العساكر المشاة، وهو الذي يختار من يكون في الميمنة أو الميسرة أو في الخلف لحماية القطيع من أيّة مخاطر أو هجوم طارئ، كما أنه وحده من يعوي لتنبيه قطيعه إذا تطلب الأمر ذلك، والشيء الجميل في مركزيتهم أنهم لايمانعون أن تكون إحدى إناثهم هي القائدة مادامت تتميز بقوة العقل والحكمة في إتخاذ القرارات.
وبخصوص الحياة الأسريّة؛ فهذا الحيوان الذكر لايتزوج الّا من ذئبة واحدة طوال حياته ويبقى مخلصا لها ولذريته حتى مماته؛ ولا يميل أبدا إلى تعدد الزوجات، فالخيانة الزوجية معدومة تماما بين الاثنين، وهما يعرفان أبناءهما ويفرزانهما عن بقية القطيع ويعملان على تطعيم نسلهما من الجِراء وتعليمه أساليب الصيد، حتى أنهما يمنعانهم من أكل الجيف والفطائس والقمامة مهما بلغ بهم الجوع، ويغرسان فيهم هذه الصفة منذ أول نموّهم.
أما زواج المحارم الذي نلحظه في بقية الحيوانات فلا يحدث بينهم أبدا، غير أن الإنسان المروّض لهذا الحيوان قد دبّر له مكيدة بعد أن يعصّب عينيه ويحرمه شهورا من أنثاه الذئبة يهيئ له إناث الكلاب ليتناسل معها، ولا يدري هذا الحيوان المسكين أنه أرغم على الخيانة الزوجية وهذه كلها بفعل الإنسان الذي يسعى إلى تخريب حياة هذا القطيع وقطع دابر الإخلاص الذي يكنّه الزوجان لبعضهما كي يكونا مثله عابثا بأواصر الرباط المقدس بين الأزواج.
وكما أن الذئاب تقدّس الحياة الزوجية، فإنها أيضا تبرّ بالوالدين إذا عجزا عن إطعام نفسيهما عن طريق الصيد، ولهذا ترى الأبناء تأتي بفرائسها لتوضع أمام الأب أو الأم في وكرهما كي يسدا رمقهما حتى يشبعا وبعدها تأتي بقية الأسرة لتأكل ماخلّفه الوالدان من المائدة.
لقد وهب الله للإنسان عقلا لترتيب حياته لكنه سلب من ضميره جانب العطف والرحمة والحنوّ في بعض الأحايين، والخوف كل الخوف من موت الضمير كليّا في أعماق الإنسان؛ وهنا من حقنا أن نخشى على موت العقل والقلب معا حينما يغيب الضمير.