رئيس التحرير
سرمد عباس الحسيني/
“خطاب عنصري ضد الأجانب واللاجئين عموماً، وضد العرب على وجه الخصوص، تراوح ما بين التصعيد اللفظي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى الضرب المبرح المفضي إلى القتل أحياناً.”
هذا مختصر لما تتناوله وسائل الإعلام العالمية لما يحدث في تركيا، عبر جماعات عنصرية تركية تطلق على نفسها (جماعة الدفاع) تحرض على الكراهية والعنف ضد المهاجرين والعرب، كانت قد دعت قبل فترة إلى تجمع لأنصارها في إحدى ساحات إسطنبول، قبل أن تلقي السلطات التركية القبض على أبرز قادتها وإيداعهم السجن، بعد أن وصفت تصرفاتهم بالفردية (!!!).
تصرفات فردية.. بدأت بقضم جزءٍ ليس باليسير من الاقتصاد التركي، ولايمكن تغطيتها بغربال التبرير الإعلامي السياسي الخجول، فإذا ما علمنا أن متوسط قيمة ما ينفقه السائح العربي في تركيا بعيداً عن أرقام استثماراته التي بدأت بالهرب تباعاً، قد تجاوز الـ4000 دولار، قياساً للسائح الأجنبي بمتوسط قيمة لا يتجاوز الـ8000 دولار، نفهم حينها التبعات الاقتصادية التي تتعدى جانبها السياحي إلى جوانب اقتصادية مرتبطة بتوافد الأجانب.
فقد قدّر صندوق النقد الدولي أن تراجع نسبة السيّاح بنسبة 10% يؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي التركي برقم خسارة يصل إلى 40 مليار دولار. إذ يشكل هذا القطاع نحو 8% من اليد العاملة التركية، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن هذا الاقتصاد يعاني منذ عام 2011 من عدم يقين واستقرار أدى إلى انخفاض نسبة النمو الاقتصادي التركي على نحو مؤكد، إذ أرجع بعض المتابعين أسباب هذا التذبذب والانخفاض في النمو إلى عدم امتلاك تركيا حليفاً فعلياً منذ العام 2011، إذ لا يمكن لأي اقتصاد حقيقي أن ينمو بدون رؤية واستقرار اقتصادي-سياسي شامل ضمن محيط إقليمي متكامل البنى والرؤى (وأي نظرة بسيطة لعلاقة تركيا الخارجية مع جيرانها ومحيطها يمكن أن يفسر لك وضعها الاقتصادي بدقة، سواء باتجاه السلب أو الإيجاب)، قياساً لما وصلت إليه تركيا في موازناتها أو معجزتها الاقتصادية المؤسسة لبوادر نهضتها الاقتصادية التي بدأت بوادرها بالتبلور منذ عامي 2003-2004 وبلغت ذروتها في عامي 2009-2010، وبنسبة نمو بلغت 8-9% نافست بها الصين حينها (حسب متابعين).
إلا أن هذا الصعود قد بدأ بالتراجع نتيجة تلاشي العوامل الداعمة لهذا الاقتصاد داخلياً وخارجياً (منذ بدء استهداف سورية وما تلاه من تبعات)، وصولاً إلى يومنا هذا، وآخر صفحاته، وما تمخض عنه من ضرب للسياحة التركية التي شكلت خسائرها الحالية بفعل العنصرية ما قيمته 5 مليارات دولار خلال الصيف الحالي، كما يشير (ياسين أقطاي) المستشار السابق للرئيس التركي.
إن ما تسببه هذه الجماعات العنصرية من ضرر لتركيا هو أكبر وأشد تأثيراً مما تقوم به الجماعات المسلحة التي تقاتلها تركيا، التي خسرت بسببها السياحة التركية في عامي 2016-2017، نحو 8 مليارات دولار.
ومن هنا يمكن لنا أن نعي أهمية زيارة الرئيس التركي إردوغان إلى بغداد في زيارة تأجلت مراراً عن موعدها المقرر، يحمل بين طيات جنباتها ملفات المياه والنفط والنقل، في محاولة لخلق بيئة سياسية-اقتصادية ضمن رؤية متكاملة للمنطقة يكون فيها العراق محوراً لا يمكن تجاهله، ولاسيما أن صراع خطوط النقل الدولي (الهند-السعودية-أوروبا) قد بدأ ساخناً وألهب حنجرة إردوغان، امتعاضاً لتجاهلهم تركيا، وهو مازال على حسابات الورق، فما بالك لو توافقت معه حسابات البيدر برعاية أمريكية؟! وهذا آخر ما يتمناه إردوغان الذي سوف يسعى بكل جهده إلى إنجاح (طريق التنمية) الذي سيعزز دور تركيا الاقتصادي والسياسي في المنطقة والعالم، يكون محورها الرئيس.. العراق.
والله…. أعلم