تعفن الدماغ

حليم سلمان

جامعة “أكسفورد” الشهيرة، في بريطانيا، وضعت حداً لنقاشات مكثفة، لطالما تحدث بها وشكا منها المتخصصون في علوم النفس والاجتماع والإعلام، وكذلك النخبة، لما تسببه من خسائر فادحة في تغيير سلوك المجتمعات، خصوصاً من هم في عمر المراهقة والشباب.
أكسفورد اختارت عبارة “تعفن الدماغ” (Brain Rot) لتكون كلمة 2024، لتدخل ضمن مفردات قاموس أكسفورد، وهي بهذا تشير إلى “الجائحة” التي تسبب تدهور الحالة العقلية والفكرية، نتيجة الإفراط في استهلاك المحتوى عبر الإنترنت الذي يصنف “تافهاً وغير محفز”.
اختيار الكلمة جاء بعد أن قامت الجامعة بإجراء تصويت شعبي شارك فيه أكثر من 37000 ألف شخص، ولاقى المصطلح شهرة خلال العام 2024، خصوصاً بين جيل الشباب على منصات “تيك توك”.
بهذا التصنيف والاهتمام، تريد جامعة أكسفورد أن تسهم في وضع حد لظاهرة “المحتوى الهابط” المنخفض الجودة على الصحة العقلية، ولاسيما أن المصطلح يعكس واقعاً ثقافياً يشمل الانتشار السريع لـ “الميمات” (Memes)، وهذه الأخيرة ظهرت وانتشرت بقوة مع تطور الإنترنت، وهي عبارة عن مقاطع فديوية تنتشر بسرعة وتعاد مشاركتها بشكل واسع، تصنع بطريقة فكاهية استعراضية ساخرة.
لا يمكن عبور مصطلح “تعفن الدماغ” دون معرفة التأثيرات الرقمية والاجتماعية التي فرضت حالة من النقاش المستمر حول دور التكنولوجيا في تشكيل عاداتنا الفكرية والاجتماعية. توصلت الأبحاث العلمية لتفسير ظاهرة “تعفن الدماغ” إلى وصف حالة من الإرهاق العقلي، أو الهوس غير المنتج، أو الإفراط في التعرض والتفاعل مع المحتوى الإعلامي المنخفض الجودة، أو المتكرر، وهو شعور بالإرهاق العقلي بعد استهلاك ساعات من المشاهدات للبرامج التلفزيونية أو ربما حتى التفكير المفرط.
للتخلص من التدهور المفترض للحالة العقلية، أو الفكرية، للشخص، يمكن التعافي من “تعفن العقل”، إذ يذكر العلماء طرقاً متعددة لضبط إيقاع السلوك اليومي، منها التمتع بفترات راحة، والابتعاد عن الشاشات، والانخراط في الأنشطة الحياتية الفعالة، فضلاً عن ممارسة الرياضة التي تساعد في تجديد نشاط العقل، وكذلك القراءة، وفصل النفس عن وسائل التواصل الاجتماعي.
الإعلام سلاح ذو حدين، وتوجيهه نحو الإيجابية مسؤولية جماعية تتطلب وعياً مجتمعياً وتعاوناً بين الأفراد والمؤسسات، ونتمنى أن يتم القضاء، أو التقليل، من ظاهرة “تعفن العقل”، والقضاء عليها بأسلوب علمي وحضاري ومعرفي.