عواد ناصر/
فاجأتني بنتي الصغرى، تمارا، بأنها تريد تعلّم الصلاة لتصلي!
قلت لها: أنا تعلمت الصلاة وصلّيت عندما كنت بنصف عمرك. بالضبط عندما كنت في العاشرة، وصِمت أيضاً، لأنني ميّت من الجوع أصلاً، فلماذا
لا أصوم لأفطر على فطور رمضاني أغنى من وجبة غدائنا الفقيرة: بطاطا مسلوقة، وفي أحسن الأحوال مقليّة!
ضحكت تمارا على ما اعتقدَته مبالغة مني، وهي المولودة بلندن، حيث لا أحد يموت من الجوع.
لا، بنيتي، كنّا نجوع فعلاً، رغم أن كل العائلة كانت تصلي حتى أنا.
لا أجبرك على شيء يخالف قناعتك. أنا، مثلاً، لم يجبرني أبواي على الصلاة ولم يمنعاني منها، مع أنهما من أبسط بسطاء الجنوب العراقي.
لست فقيها، يا بنيتي، لكنني رجل أحبُّ الله شعوراً داخلياً بلا منفعة ولا طمعاً بكرسي في السلطان ولا جنّة عرضها السموات والأرض.
– صحيح، بابا، كيف عرضها السموات والأرض.. أين هي إذن؟
– قلت لك، يا ابنتي، لست فقيهاً. العقل، عقلك هو من يجيبك.
أعرف، يا تمارا، أن ثمة غريزة داخلية، تنبثق داخل كل إنسان، لحمايته من من قسوة العالم، وربما من نفسه أيضاً. في المغتربات يلجأ المغتربون إلى جذورهم الأولى لحماية أنفسهم من رياح المغتربات. صارت ما تشبه الموضة: التعصب للجذور.
كثيرون يصلّون، يا ابنتي، ولكنهم لا يصدقون التقرب الى الله بل إلى الجمهور. جارنا الباكستاني، وانت تعرفينه، لا يصلي في بيته. هو يصلي في الجامع فقط!
هو لا يصلي لله، بل للجمهور لأنه يزمع الترشح للانتخابات البلدية.
هذا لا يعني أن كل من يصلي يزمع الترشح للانتخابات البلدية. أمي وأبي كانا يصليان الصلوات الخمس ويصومان رمضان ويبكيان في عاشوراء، لكنهما لم يعرفا معنى الترشح لأية انتخابات.
وهما، مثلي الآن، لم يجبرا ابنهما على الصلاة أو الصوم أو اللطم.
وهما شخصان بسيطان من ريف العمارة وليس مثلي ومثل أمك يعيشان من ربع قرن في بريطانيا.
– كيف صرت ما أنت عليه، يا أبي؟
– أبوك أفسدته الكتب. المفسدة، هنا، مفهوم نسبي. البعض يعتبرها تطوراً في الوعي والبعض الآخر يحسبها فساداً أخلاقياً ودينياً.
– ومتى أفسدتك الكتب؟
– قرأت في مراهقتي ورقة في كتاب قديم عن شخص طرق باب أحدهم ففتحت له ابنة صاحب البيت، سألها: أين أبوك؟ ردّت: إنه يكذب على الله (كان يصلي). لكن لا تفهمي، يا ابنتي أن كل من يصلي يكذب على الله.
أمي وأبي كانا يصليان لوجه الله وليس أمام عدسات التلفزيون.
– يعني أنك لن تمانع، يابابا، إذا صليت.
– أبداً، يا بنيتي. الأمر لا يتعلق بصلاتك أو عدمها، إنما بما تقدمينه لنفسك ومجتمعك والعالم، سواء إذا كنت تصلّين أو لا تصلّين.